الصوت في الثالثة صباحا
ولا يكف تشارلز سيميك، في قصائده، عن العودة إلى أماكن طفولته، كأنه ما زال يحيا هناك . كأن القصيدة، في حد ذاتها، هي " فردوسه المفقود "، أو ، بالأحرى، إيثاكاه التي يحرص على أن تظل ماثلة في ذهنه، كأنّه قد كتب عليه أن يصل إلى هناك، كما يقول كفافيس في قصيدته ذائعة الصيت. ولكن تلك العودة أشبه ما تكون بالعزلة؛ عزلة المنفرد الذي يطل على نفسه من ثقب صغير في الذاكرة. عزلة ليست هي عزلة الآخر - البعيد والقصي والغريب والأجنبي - بل هي تلك المرأة الوجودية التي نرغب، نحن قراء شعره، في القفز في أعماقها، وأن نكون جزءًا حيويًا من المشهد كله. أن نفكك طبقات التي تلف القصيدة، لنرى وجوهنا تشع، بلا أي أقنعة، ليس على السطح فحسب، وإنما عميقا في وجود كينونتنا ذاته. أن نرى الكلمات، والصور الشعرية، والاستعارات، في كافة أحوالها ومقاماتها، وقد أصبحت طريقا منيرا، تأخذنا في رحلة جوانية.
لا يوجد مراجعات