البكاؤون
شعرت به بغريزتها الأنثوية، يجيء ويروح بين المكتبة وقاعة الدرس، تلمح في نظراته هيامًا، نظرات جاتسبي نفسها التي وجهها إلى حبيبته ديزي في رواية «جاتسبي العظيم». عرفت أنه عربي، وتخيلته سليل سلاطين غابرين، والثلمة في ثنيته العُليا توحي بسوابق في الشقاوة. تعمدت الضحك قريبًا منه لإثارة اهتمامه، وكان يتحفز ليقول شيئًا، ثم يتراجع بالعًا لسانه. استمتعتْ بأمره كتسلية، ولما عجز أن يصرح بشيء، شعرت بالضيق، وأحيانًا بالمهانة، وتخبطت في هواجسها، بل حقدت عليه، حتى أنها فكرت في طريقة لإذلاله.
***
ليست رواية تاريخيّة، بل ربما كانت ضدّ التاريخ، ومع هذا، فهي تنهض على التاريخ، على تاريخٍ تراجيديٍّ بعيدٍ صار حدثًا يوميًّا لفرط حضوره، روايةٌ تتعانق فيها تراجيديا الدم وفوران الدّمع في المآقي مع الحب الرومانسي الجارف، وتتناسل أحداثها من قلب المنامة القديمة، ومن ذاكرتها الغنيّة بكل شيء، ومن سيرة أهلها وأحلامهم وإحباطاتهم وصراعاتهم. إنها رواية مكتنزة بشخصيات عديدة تشعرُ أنك تعرفهم فردًا فردًا لفرط واقعيتهم المألوفة، غنيةٌ بالتفاصيل الاجتماعية والسياسية والطقوسية، ومهمومةٌ بسيرة مجتمع تقليدي جدًّا، لكنه ينفجر فجأةً على وقع ثورة دينية تندلع في الجوار. يتحرّك الزمن في الرواية جيئةً وذهابًا بين الماضي والحاضر، بين السياسة والمجتمع، بين الطقس الديني والحب، لينسج مصائر ثلاثة أجيال متنافرةِ الأفكار والأهواء والاتجاهات، أجيال تختلف في كل شيء، ولا يوحِّدها سوى البكاء والدمع سريع الجريان.
د. نادر كاظم
لا يوجد مراجعات