كيف خسرت إسرائيل: أربعة أسئلة تبحث عن إجابة
كيف خسرت إسرائيل؟ هل خسرت بالفعل؟ وماذا خسرت؟ يرى المؤلف أن إسرائيل خسرت بالفعل. نعم خسرت قضيتها، وخسرت تعاطف الرأي العام العالمي الذي كان يقف إلى جانبها في السابق، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا. خسرت قضيتها عندما لم تراع التطورات المحلية والعالمية. إن إسرائيل لا يمكنها أن تحتمل خسارة معركة واحدة، بينما العرب يمكنهم ذلك، وقد خسرت إسرائيل هذه المعركة بالفعل في عيد الغفران أو يوم كيبور أو في يوم أسود لم تطلع له شمس، ولكن المحصلة أنها خسرت هذه المعركة، وكان لا بد لها أن تدفع الثمن. ولكنها كالعادة ماطلت وحاولت أن تحافظ على أكبر قدر من الغنائم التي حصلت عليها من قبل، مثل لاعب شطرنج غشيم يحاول الحفاظ على مكاسبه فيسوء موقفه، وكلما حاول الحفاظ على ما يظن أنه غافل خصمه من أجل انتزاعه منه، كلما غاصت أقدامه أكثر في الرمال المتحركة حتى أوشكت على ابتلاعه.
خسرت إسرائيل قضيتها التي أوهمت العالم بعدالتها من خلال الدعاية الصهيونية ورحلات الترويج والتفسير والتبرك بالأراضي المقدسة التي كانت تنظمها لمناصريها السذج في أوروبا وأمريكا الذين انساقوا وراء "الهاسبرا" لزيارة أرض الأنبياء ورؤية وعد الله يتحقق من خلال عودة اليهود إلى أرض الميعاد مما يبشر بقرب عودة المسيح. هاهم اليهود المساكين الضحايا، الذين يريد العرب إلقائهم في البحر، بعد الويلات التي تعرضوا لها على يد النازي وبعد أن نجوا من محارق الهولوكوست، يقيمون دولتهم اليهودية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة بعد أن سحقوا أعدائهم في حرب الاستقلال. تلك كانت صورة إسرائيل في السابق، قبل أن يصبحوا دولة محتلة، تحتل أراضي الغير بالقوة في حرب الأيام الستة حيث احتلوا سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية وغزة، وقبل أن يخسروا المعركة التي لا يطيقوا خسارتها لأنها حطمت كبريائهم وصلفهم وأوهامهم، لأن إسرائيل دولة تعيش على الوهم.
خسرت إسرائيل قضيتها عندما بدأت سياسة هدم البيوت وضم الأراضي والاغتيالات والتمييز العنصري، وأصبحت تباهي بها على نحو علني. ربما كانت تمارس ذلك من قبل، ولكن ليس على هذا النحو من العلنية والتبجح والاستهانة بكل القيم الأخلاقية والمعايير والقوانين الدولية. لم تحترم إسرائيل التغيرات الإقليمية ولا المحلية أو الدولية، وأصبحنا نرى للمرة الأولى مشاهد كان من المستحيل أن نراها من قبل على شاشات التلفاز، بيوت مهدمة على رؤوس أصحابها وجثث الأطفال الفلسطينيين متناثرة، والجيش الإسرائيلي يسحل المواطنين في الشوارع ويمنع المواطنين من الصلاة في المساجد ويقوم بعمليات الاغتيال القذرة جهاراً نهاراً دون رادع. وفي المقابل نرى ولأول مرة أيضاً مناصرين للشعب الفلسطيني من الأوروبيين والأمريكيين يقودون المظاهرات في الأراضي المحتلة ويسدون بأجسادهم طريق الجرافات وهي في طريقها لهدم البيوت ولعل قافلة الحرية التي نظمتها منظمات تركية واشترك فيها نشطون من جنسيات أخرى والتي كانت تحاول كسر الحصار المفروض على غزة وما صاحبها من هجوم وحشي إسرائيلي على المدنيين العزل فيها أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، أمام أعين العالم المتحضر وغير المتحضر أيضاً، خير مثال على ذلك. خسرت قضيتها عندما تركت المجتمع الذي زعمت أنه يهودي يسقط تحت وطأة التشدد والتطرف الديني ويتحول إلى قبائل متنازعة من اليهود الشرقيين والغربيين والروس والعلمانيين، تحاول كل منها انتزاع قطعة من لحم الدولة أكبر من تلك التي انتزعتها القبيلة الأخرى، على نحو أفقدها السلام فيما بينها، فكيف تمنح السلام للفلسطينيين وفاقد الشيء لا يعطيه كما يعلم أي طالب في المرحلة الأولى الابتدائية.
خسرت قضيتها لأنها تريد أن تحصل على كل شيء، ولا ترغب في التخلي عن شيء، إنها تريد الأرض كما تريد السلام، ذلك السلام الذي لا تملكه حتى. إنها دولة تعيش على الشيئين، ألا وهما الوهم والصراع. الوهم بأنها دائماً الضحية، أو لا ترغب في أن تكون ضحية، وتوهم أنها أعطت للفلسطينيين دولة ولكنهم رفضوها، ولكنها لا تدرك أن العالم سرعات ما اكتشف الأكذوبة، إنها دولة تحتفظ فيها إسرائيل بالمستوطنات والطرق التي تؤدي إلى المستوطنات والجنود الذين يحرسون المستوطنات وتسيطر فيها على الجو والبر والبحر، ولا يجب أن يمر فيها الفلسطينيون بلا تصريح منهم، أي إنها أشلاء دولة بلا سيادة وبلا شرف وبلا كرامة، وكأنك تضع حجرة نومك في ميدان التحرير، ضعف الطالب والمطلوب. خسرت إسرائيل قضيتها عندما فشلت في إدراك مدى أهمية الشرف والكرامة لدى العربي أو الفلسطيني بالطبع. فهو يمكن أن يضحي بأي شيء، حتى ولو كان حياته في سبيل الدفاع عن شرفه وكرامته، وربما لو أدركت ذلك لكان من السهل عليها العمل على تحقيق السلام، لو وجدت من بين قبائلها المتناحرة من لديه الرغبة أو القدرة على تحقيق السلام.
لا يوجد مراجعات