عالم جديد وشجاع

عمل مهم وقراءته ضرورة.

من كانَ ليظن أن المستقبل والتطور الذي سيشهده العالم الحديث، سيمثّل في تصوّره مدينة فاسدة (دستوبيا)، رغم أن جميع المكونات في مجتمعٍ ما تعمل بالعادة من أجل الوصول لهذا الهدف المنشود والصعود في سلم التطور للوصول فيه إلى درجةٍ عليا.
ومن كان ليظن أن حيثيات كالتي جاءت في هذه الرواية كانت قد كُتِبَت قبل ثلاثة وتسعون سنة من اليوم! عالم جديد شجاع، لا تخرج فيه الأجنّة من أرحام الأمهات إنما تُصَنَّع في المختبرات. عالم خاضع لتقسيمة طبقية محددة قبل الولادة، عالم يعتمد الفرد فيه على نشأة تلقينية حتى يح

ألدوس هيكسلي وعبقريته المتفردة في "عالم جديد شجاع".

بأسلوب روائي سلس، بديع ومتفرد، يقدِّم لنا ألدوس هيكسلي رائعتَه الديستوبية: "عالم جديد شجاع"، ويسدل من خلالها الستار عن حضارة فورد، والدولة العالمية الجديدة، بجنسها البشري المتحضِّر السعيد ببلاهة، والمُحتفي بالطبقية، وموت الشعور، والعيش براحة بلا قيود الرب والأديان والأخلاقيات والعائلة، وبولائه للمبجل فورد في عليائه.

"فورد في سيارته العتيقة في عليائه، وكل شيء على ما يرام في العالم".

من مركز لندن للتفريخ والتكييف، ذراع الدولة

تخيل ألدوس هكسلي عالمًا بلا معاناة، لكنه مفزع بالرغم من ذلك، أو مفزع لهذا السبب بالتحديد. حيث لا شيخوخة، لا تجاعيد، لا أمراض.. وأي اضطراب بالمشاعر ولو كان قصير المدى، يمكن التغلب عليه بجرامات من عقار "سوما"، مخدر العالم الجديد ومصدر نشوته.

يأخذنا هكسلي إلى نظام شمولي صارم شبيه بعالم 1984، إلا أن أقوى أسلحته هذه المرة هي اللذة، أو كما يصفها أحد قياديي ذلك العالم: السعادة. سعادة بلا بطولة، لأنه ما من أزمة تسمح لها بأن توجد. سعادة جماعية، بلا لحظة من العزلة، تُمنح بالتساوي لكل من في هذا العا

«عندما يصبح العبد سعيدًا، يتجردُ مما يجعله إنسانًا، الإنسانية هي الحرية.»
-فريدريك دوغلاس

في رواية «عالم جديد شجاع» يجسد لنا ألدوس هكسلي معنى أن يكونَ العبيدُ سعداء، ليسَ بالشكل الذي يتصوره المعظم: حيث يسعد العبد ويرضى عن تلقّيهِ فتات الطعام وهزيلَ الثياب وعملِه كثورٍ في طاحونة وجلدِه على كلّ زَلّة. بل بالشكل الواقعي، حيثُ يملك المرءُ كل ما يشتهيه وتوفّرُ له سائر المُتع والملذات في أي وقت ومكان، تصير الممنوعات قانونًا والمخدرات مسرّات والمحظورات ضرورات، فيصير المرء عبدًا لشهواته ويتج