العوسج الملتهب وأنوار العقل - أربعة أجزاء
المكتبةَ العربيَّةَ تكادُ تَخلو إلى يَومِنا هذا من كتابٍ مَرجعيٍّ جامعٍ في فلسفةِ الدِّينِ، وأَغلبُ ما تُرجِمَ في هذا الحَقلِ ليسَ سِوى كتاباتٍ مُقتضبَةٍ لا تُسمِنُ ولا تُغني من جوعٍ، بِحيثُ يُمكِنُ القَولُ إنَّ كلَّ ما نُشِرَ بالعربيَّةِ في فلسفةِ الدِّينِ لا يَعدو، إذا ما قِيسَ بِعملِ غريش الهائلِ في موسوعتِهِ هذه، أَن يكونَ نُتَفًا من هُنا أَو هُناك وإضاءاتٍ لِنِقاطٍ مَحدودَةٍ، أَمّا كتابُ غريش فيُحيطُ بالموضوعِ وأَعلامِهِ إحاطةَ شُمولٍ واستيعابٍ.
يُحاول الفيلسوف الفرنسيّ في كتابه هذا أن يضع في أيدي القرّاء دراسة تحليلية مُتكاملة عن نشأة "فلسفة الدين"، دون أن يُغفل في إعداده لها ما يجعل منها دراسة يشوبها النقص، مُحاولًا في الوقت ذاته أن يجعلها دراسة موسوعية قدر الإمكان بحيث تتناول جميع التفاصيل المُحيطة بالفكرة الرئيسية للكتاب.
هكذا، سيقودهُ مسعاه إلى دراسة الظروف التي قادت إلى ابتكار ما يُسمّى بـ "تدبير الدين"، وهو مُصطلح يُعرّفه بأنّه يُعبّر عن تخصّص فلسفيّ ظهر قبل قرنين تقريبًا، بهدف دراسة التفكير في الدين في تجلّياته الكبرى والمُختلفة على حدٍّ سواء، قبل الانتقال إلى توضيح معنى الديانات المُلهمة كنتيجة طبيعية لا بدّ من الوصول إليها أثناء دراسة هذا التخصّص والبحث في تاريخه.
يرى غريش في توضيح معنى الديانات المُلهمة بديلًا عن عملية استحداث تطوّر فلسفيّ مُصطنع للدين، باعتبار أنّ العملية الأخيرة لا تقود الكاتب/ الباحث إلى دراسة التجلّيات الفردية والجماعية للدين، مثل الطقوس والمعتقدات والمواقف الروحية، وهي الدراسة التي يُنظر إليها باعتبارها بوابة للانتقال نحو فحص المقولات الذهنية والمنطقية الخطابية التي أدّت إلى نشأتها، التجلّيات، ومن ثمّ ظهورها.
كما لم يغفل جان غريش هنا، في غمرة انشغاله بدراسة هذه التجلّيات، مراعاة مُعطيات تاريخ الأديان التي تستدعي بدورها، وبالضرورة، دمجها داخل تفكير قابل للانفتاح في أفقه الواسع على معنى التاريخ الكلّي.
لا يوجد مراجعات