العودة إلى الذات والعودة إلى أية ذات
يضمّ هذا الكتاب بين دفتيه عصارة مهمة لأفكار علي شريعتي الواسعة التنوّع وخلاصة نوعية لمشروعه الفكري الإحيائي الذي ربما أمكن أن نطلق عليه اسم «العودة إلى الذات»، حيث يشدّد على ضرورة استلهام النموذج الإسلامي في أصالته وبدايات من حيث هو نهضة روحية وثورة حضارية غيّرت الواقع المبسّط للمسلمين الأوائل إلى حضارة عملاقة بفضل الروح الملحمية التي توفروا عليها، ومشاعر التضحية والفداء التي منحتهم القوّة الاستثنائية، والإيمان العميق الذي فجّر طاقاتهم القيادية والعلمية بما ارتقى بحياتهم إلى مدارج باهرة في غضون فترة وجيزة. يرى شريعتي في غمرة تجاذبات المدارس الشرقية والغربية التي عصفت بالساحة الثقافية والسياسية الإيرانية قبل ثورة 79 أن العودة إلى الذات الدينية الأصيلة بطابعها الثوري التغييري هي الوصفة الناجعة للتحرّر من واقع التردّي والضعف والخضوع للاستعمار الذي تعيشه البلدان الإسلامية. ويتناول في عمله هذا جوانب شتى لهذه العملية فتتنوّع الموضوعات وربما تتشتت فيفضي بعضها إلى بعض كما هي طريقته غالباً في الخطابة والكتابة، إذ يكثر الخروجُ عن الموضوع إلى جوانبه وتفريعاته فيما يشبه التداعي الحرّ للأفكار. ويتنسى القول بكلّ ثقة إنه حاربَ بمواهبه الفكرية والخطابية على عدة جبهات بعضها أخطر من بعض، بيد أن أبرزها وأشدها ضراوة هي الجبهتان اليسارية واليمينية حيث أفلح إلى حدّ يُعتدّ به في إقناع التيارات الثورية الشبابية بالزهد في التجربة الماركسية وهاجم التيارات التغريبية التي خالت أنها وجدتْ ضالتها في بهارج الحضارة الغربية الحديثة، ليأخذ بيد قطاعات واسعة إلى ما رآه الأكسير القادر على خلق المعجزة والوقود الكفيل بتحريك الذات المبدعة..