الوضع البشري
يسعى كتاب الوضع البشري إلى البحث في الخصائص الأقل ضعفًا ولكنها الدائمة في ذلك الوضع رغم تغييرات العصر الحديث؛ ولذلك تعمل حنة آرندت على البحث في شرط وجود كون غير كلياني، أي في كون يعيش فيه البشر في نظام يتسم بالديمقراطية. ومن ثم تدبر الفيلسوفة مفاهيم العمل والأثر والفعل قصد دراسة العالم البشري باعتباره عالم الممارسة التي يمكن أن يعيشها الإنسان وهو حر. وقد تظهر آرندت ناقدة للحداثة أي ناقدة للخلط الحديث بين مجال العمل ومجال الأثر، ولتحول الأثر إلى عمل، لكون البشر قد حولوا منتجات الأثر الدائمة إلى أشياء تستهلك وتستنفد. ولكن الفيلسوفة تكشف كيف أن الخلط بين العمل والأثر هو في الحقيقة موروث عن الفكر السياسي الغربي، ولذلك فان أحد أهم أهداف النظر المعروض في هذا الكتاب إنما هو نقد تقليد الفلسفة السياسية الغربية من أفلاطون إلى هيدغر مرورًا بماركس. وينتج عن ذلك أن الرأي يعتبر المؤلفة محافظة ونخبوية نظرًا لاعتبارها الظاهر التجربة اليونانية السياسية تجربة جوهرية يحتاج إلى تدقيق وتخصيص إن لم يكن مجانبًا للصواب: فلا يمكن بيسر اعتبار حنة آرندت أرسطية جديدة ولا تصنيفها ضمن المصابين بحنين العودة إلى التجربة الإغريقية إلا من جهة استكشاف الدرس النظري الذي ظهر في ثنايا تجربتهم؛ نعني أن الوضع «البشري» (أي التوصيفي) لا يتجلى على أنه وضع «إنساني» (أي معياري) إلا عبر «الفعل»، هذا مع مكابدة أن ذلك النشاط إنما هو الأهش والأقل دوامًا والأكثر عرضة للاندثار، من بين الأنشطة البشرية الثلاثة التي تكون منظومة الحياة العملية.
لا يوجد مراجعات