نقد العقل العملي
«شيئان يملآن الوجدان إعجابًا وإجلالًا يتجدّدان ويزدادان باسْتمرار كلّما أنعم الفكرُ التأمّلَ فيهما : السماء المرصّعة بالنجوم فوقي والقانون الأخلاقيُّ في صدري. لستُ في حاجة إلى أن أبحث عنهما خارجَ مجال بصري و أخمّنَ فيهما مجرّد تخمينٍ وكأنّهما محجوبان أو واقعان في الماورائيِّ؛ إنّي أراهما أمامي وأربطُهما في الحال بوعي وجودي. أمّا الأوّل فينطلق من الموضع الذي أحتلّه من عالَم الحواسّ الخارجيِّ، ويبسطُ من حيث أقف، نطاق الرباطِ إلى عِظمٍ فسيحٍ حيث عوالِمُ فوق عوالِمَ ومنظوماتٌ فوق منظوماتٍ، وإلى جانب ذلك حركتُها الدوريّة في أزمنة لا حدود لهاوبدايتها واستمرارها. وأمّا الثاني فينطلق من ذاتي اللاّمرئيّة، من شخصيّتي، ويُظهرني في عالَمٍ ذي لانهائيّةٍ صادقةٍ، لكن لا يقتفي أثرَها إلاّ الذهنُ...»
كذلك يختم إ. كَانط نقد العقل العمليّ حيث يسبق إلى إخراج مثاليّةٍ أخلاقيّةٍ محضٍ تقوم على فكرة استقلال العقل، ومن ثمّ فكرة القيام الذاتيّ للشخصيّة الأخلاقيّة. وهذه لعمْري من أشدّ الفِكَرِ النقديّة وقْعًا لا على المثاليّات الألمانيّة وحسب، بل كذلك على تاريخ الفلسفة الحديثة والمعاصرة.
لقد سعينا في هذه الترجمة أن نقدّم للقارئ العربيّ نصّا آخر من أمّهات نصوص الفلسفة الحديثة، نصًّا ما ينفكّ يفعل عند مغلب المنقَلبات النظريّة للفلسفة من فيشته الأوّل وشلّنغ الأوّل مرورا بمدرستيْ ماربورْغ وبادِهْ إلى الفكر الليبيراليّ المعاصر. ربّ فكرة جليلة في العقل المحض لا تجد شرط تفعيلها الأقصى إلاّ ضمن نقد وجوه استعمال العقل وضبطِ مجالات تحقيقه ورسمِ حدود استخدامه في النظر كما في العمل.
لا يوجد مراجعات