الكاميرا تفكر كتابة على حائط السينما
في خلفية صورة بانفجار، يكشف المخرج «ألكسندر جوردونوفسكي» عن نظرية خافية في صُنع الأفلام، قائلاً: «السينما بالنسبة لي هي الفتنة». يبدأ من أن السينما الأصيلة والشاعرية تفتح لنا أفقاً من فكرٍ قائمٍ على التوافقات الفكرية والجمالية، فالتجريب هو أحد أعمق أشكال الفتنة، ويضعنا في صُلب أسئلة الفن السينمائي.
من هذا المنطلق الرؤيوي والشعري، تتخلق نصوص هذا الكتاب. إذ تتعالق الكتابة عن السينما – موضوعياً وشعرياً – فكرةً تميّز حضورها كقراءة موازية للغة الفيلم، لا بوصفها نقداً، بل بوصفها اشتباكاً حسياً يعيد تعريف الوجود والواقع.
ليس لأنّ الكتاب عن السينما، إنما لأنّه ينطلق دائماً كما كأنما تصنع السينما.
لا شك أن هذا النوع من الكتابة أراد إبراز فلسفة الفن، وعنصرها ودورها الفلسفي. الكاميرا التي كانت صامتة، أصبحت تفكر.
الانطلاقة السردية للسينما تبدأ من لحظة السرعة البطيئة للكاميرا، هي التي تقيس الواقع.
فيلم كالزووتوف في رائعة «ديريديوكو» يخلط بين رغبة العاطفة في دون كيشوت، في مغامرته البصرية، وبهاء الجمال الذي يقهر اللغة. كذلك أفلام «سكارليت» في «نوارس الشتاء»، و«ويليام يانغ» في استعارته «البرق والطبل»، وظلامهم على شاشة من الغياب، حيث الضوء الوحيد انعكاس لشيء غائب.
هكذا، يبقى الفيلم كتابةً معلّقةً، تتماسّ مع كل صورةٍ كُتبت على جدار الشاشة، جدار السينما – جدار الصورة.
ولا مجال لكتابةٍ كهذه أن تسرّ سرّها إلا باستحقاق في أعماق الفن – قلب الفكر السينمائي.
من هنا، فإنّ هذا الكتاب عن السينما يبحث في نفسه مسار التّفلسف الشعري، واللّغوص في أعماق الصورة وتكاملها.
وهكذا يبدو أن أسئلة الفيلم الشعري، وموقعه في الفلسفات السياسية الجمالية، تعقد في صلبها ذات خاصية فريدة: إنها أفلامٌ تفكّر، بل هي ظاهرةُ التفكّر.

















الرئيسية
فلتر
لا يوجد مراجعات