الكويت في دليل الخليج (جزئين)
في عام 1980 تحصّل الأديب والمؤرّخ خالد سعود الزيد على نسخةٍ من كتاب «دليل الخليج» لمؤلفه جون جوردن لوريمر (1870-1916) الذي ترجمته دولة قطر وطبعته في أربعة عشر مجلدًا، السفر التاريخي يقع في سبعة مجلدات، ومثله السفر الجغرافي، ويذكر (الزيد) أنه وهو يحمل الكتاب ليهوي به إلى الأرض، لمعت لديه فكرة استخراج مادة الكويت من هذا السفر الكبير، وأحسب أن عكوفه على استخراج مادة الكويت من «دليل الخليج» كان بدافع تعزيز اكتشافه للمدينة الأثرية في الصِّبيَّة من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى ليثبتَ ضلوعه في تاريخ الكويت والمنطقة.
عمد (الزيد) إلى استخراج مادة الكويت من «دليل الخليج»، واتخذ منهجًا علميًّا في استخراج المادة وتنضيدها والتعليق عليها، وقد تحدث عن منهجه في مقدمتيه للسفرين: التاريخي والجغرافي. أراد (الزيد) أن يضع قدمه على طريق المؤرخين الذين يتمتعون بمعرفةٍ تاريخيةٍ، وطرائق علمية في تناول الموضوعات التاريخية وتحقيقها، فلم يكن (الزيد) حاطب ليلٍ، بل كان عالِمًا حاذِقًا في ما يستخرج من مادة تاريخية عن الكويت، وكل ما يخصها منذ نشأتها حتى مطلع القرن العشرين، ولا أدل على هذا الجهد المبذول من تلك الهوامش التي لا تقل أهمية عن المتن بما تحمله من توضيحٍ، أو تصويبٍ أو شرحٍ أو تعليق.
إن أهمية هذا الكتاب تتمثل فيما يطرحه من أسئلةٍ مُهمةٍ، وفيما يقدمه من روايات تاريخية كُتبت بعينٍ غربيةٍ للمنطقة، كما يُبين الكيفية التي مارس بها البريطانيون سطوتهم وسُلطتهم على المنطقة من عُمان إلى عربستان في حقبةٍ تاريخيةٍ مفصليةٍ أعقبتها حربين عالميتين أدَّتا إلى تغيير خارطة المنطقة رأسًا على عقب؛ إذ بات تداول السُّلطة وتبادلها عبر الحدود الجغرافية الموضوعة والمرسومة من قِبل الغرب هي خارطة طريق المنطقة.
وبدأ استقلال الكيانات الموجودة وتحولها من إمارات وقبائل إلى دول ومجتمعات مدنية لها قوانينها ودساتيرها المُنظمة، وهذا هو ما يسعى إليه الغرب من أجل شَرعنة استغلال ثروات المنطقة، خاصةً بعد ظهور النفط، وتكالب المُستعمِر الغربي، وتهافته على استغلال هذه الثروة الطبيعية والهيمنة عليها.
إنَّ السبيل الوحيد إلى استشرافِ المستقبل هو قراءة التاريخ بعينٍ باصرةٍ، وإدراك حركية الواقع بوعي واسع؛ حتى تصبح النظرة للقادم قائمةً على أسسٍ ونهجٍ قويمٍ سياسيًّا وتاريخيًّا.
د. عباس يوسف الحداد