ليست كافية: حقوق الانسان في عالم غير عادل
إن عصر حقوق الإنسان غير منسجم مع عدالة مطلقة في توزيع الثروة، لأنّه عصر انتصار الأثرياء. وللسوق الحرّة في صورتها المطلقة العنان مخلصون يدافعون عنها؛ بل إنّ من يأملون في تلطيفها وتوجيهها تخلّوا بوجه عامّ عن المساواة المادّية كهدف، وأعطوا الأولوية لتطلّعات أساسية دنيا لإنقاذ الفقراء. وقد مثّل ذلك افتراقاً عنيفاً عن المُثُل العليا لجدودنا المباشرين الذين استثمروا بشغف في المساواة في التوزيع، متحمّلين في بعض الأحيان ألم الاعتذار عن أخطاء تاريخية جسيمة في سبيل تحقيقها. وفي المقابل، يستثمر الناس آمالهم وأموالهم اليوم في حقوق الإنسان، ويشيحون بوجوههم عندما يتعاظم انعدام المساواة الهائل. لقد تحطّم حلم الاختيار بين حقوق الإنسان التي لا غنى عنها وعدالة في التوزيع على نطاق واسع.
لذلك، يرى صامويل موين، وهو أستاذ في القانون، أن المهمّة الجوهرية ليست مجرّد تحديد معالم تاريخ حقوق الإنسان، بل تحديد مدى تلاؤمها مع الصراع الواسع على مرّ التاريخ المعاصر، فاسحاً المجال أمام مستلزمَين مختلفَين للتوزيع: الكفايةوالمساواة. فالكفاية تتعلق بتوافر الحد الأدنى من سبل العيش؛ أي الحاجات الأساسية اللازمة للحياة الكريمة. أما المساواة، من ناحية أخرى، فتتعلق بكيفية ارتباط الأشخاص ببعضهم البعض. والأهم أن موين يرى أن أي إخفاق في حقوق الإنسان وحقه في العمل والتحصيل العلمي والمساعدة الاجتماعية والصحة والمسكن والمأكل والمشرب، ترجع إلى الإخفاق القضائي في خدمة الأشخاص.
إن حقوق الإنسان هي بعض أرقى مثلنا، وقد بلغت هذه المنزلة في عصر يبدو فيه أنّ التاريخ المَعيش يتسارع على نحو يجعل التاريخَ المكتوب عاجزاً عن مواكبة وتيرة التغيير.
لا يوجد مراجعات