سوسيولوجيا الحرب والعنف
علاقة البشر بالعنف والحرب معقدّة ومفارِقة. فمن ناحية، يوجد استنكار شبه كوني لأعمال العنف، استنكار متجلٍّ في التحريمات المعيارية الصارمة لإلحاق الأذى الجسدي بالآخرين، ومدعوم بأنظمة قانونية في شتى ربوع العالم. لكن من الناحية الأخرى، ثقافتنا الشعبية، والروايات، وكتب التاريخ، ووسائل الإعلام، والفن، والألعاب، ولُعب الأطفال، وغيرها من تصاريف الحياة اليومية، مُشبعة كلها بصور العنف وأدواته. وعلى الرغم من أنه لا يوجد شخص عاقل من شأنه أن يدافع جهاراً عن القتل المنظم لغيره من البشر، إلا أن ثمة افتتاناً، بل حتى هوساً ملموساً وشائعاً بالعنف والحرب. فبنظرة سريعة إلى التصانيف الأكثر رواجاً في العقود الأخيرة، يغدو جلياً لنا أن هناك ظمأً لا يُروى للكتب والوثائقيات والأفلام التي تصوّر الحركات الاجتماعية العنيفة ومُسعّري الحروب. بينما لا تجذب أعمال غاندي والأم تريزا ومآثرهما سوى النزر اليسير من الجماهير. فعلى الرغم من أن السلام والحب الأخوي هما المُثل التي تروّج علانية، إلا أن الحرب والعنف هما ما يجذب انتباه الناس ويستهويهم حقاً.
وبين مكيافيللي وهوبز من ناحية، اللذين يريان أن الإنسان مخلوق منافق، وأنه تحت سطح سلوكياته المتحضرة، وأخلاقه الإيثارية، يرقد وحش يتربص أول فرصة كي ينقض على إخوته في البشرية ويمارس العنف، كالذئاب يفترس بعضهم بعضاً، وبين روسو وكنط من ناحية أخرى اللذين يريان أن البشر هم، في الأساس، مخلوقات مُسالمة وحصيفة ورحيمة ومتعاونة، قد أضحت عنيفة تحت تأثير “الأسقام الاجتماعية”، كالملكية الخاصة، أو التقسيم الطبقي، أو الجشع المُمأسس، أو غيرها؛
يرى سينيشا مالشيفيتش – مؤلف الكتاب – أنه على الرغم من أن هذين المنظورين المتقابلين قد حظيا بالكثير من التركيز على مدار القرون الثلاثة الماضية، إلا أن أيّاً منهما لا يقدّم تفسيراً سوسيولوجيّاً دقيقاً لعلاقة البشر بالحرب والعنف، ومن هذا المنطلق اشتغل على تقديم تفسير ونظرية سوسيولوجية بالغة الأهمية لنشأة العنف والحرب في المجتمع الإنساني.
لا يوجد مراجعات