المثقفون
من أبرز السمات المميزة للمثقفين العلمانيين الجدد، ميلهم لإخضاع الدين وأبطاله للتفحص النقدي. إلى أي مدى أفادت تلك الأنظمة الإيمانية الإنسان أو أضرت به؟ إلى أي مدى كان أولئك القساوسة والباباوات متطابقين مع تعاليمهم الأخلاقية عن الطهارة والصدق والإحسان وحب الخير؟
والآن بعد قرنين من الزمان تزايد فيهما تقلص أو انهيار أثر الدين، ولعب فيهما المثقفون العلمانيون دوراً متنامياً في تشكيل توجهاتنا وأنماط سلوكنا؛ فإن الوقت قد حان لفحص سجلاتهم العامة والخاصة. وهذا الكتاب يُركز على أوراق الاعتماد الأخلاقية والفكرية لأولئك المثقفين الذين كانوا يرشدون البشرية لكي تُدبر أمورها. كيف كانوا هم شخصياً يُديرون حيواتهم الخاصة؟ وبأي درجة من الاستقامة كانوا يسلكون ويتعاملون مع الأسرة والأصدقاء والمعارف؟
هل كانوا يقولون الحقيقة ويكتبون الصدق؟
شهدت المائة عام الأخيرة نمواً متزايداً لأثر الدور الذي يقوم به المثقفون، وفي الحقيقة فإن صعود المثقف العلماني كان عاملاً أساسياً في صياغة العالم الحديث. وهو أمر إذا نظرنا إليه من المنظور الطويل للتاريخ لوجدنا أنه يُعتبر ظاهرة جديدة. صحيح أن المثقفين في صورتهم الباكرة، كرجال دين وكُتاب ووعاظ، كانوا قد رسخوا الزعم بأنهم يرشدون المجتمع ويهدونه منذ البداية ولكنهم كحراس للثقافات الكهنوتية – سواء أكانت بدائية أم متقدمة – كانت اجتهاداتهم الأخلاقية والأيديولوجية تتم في إطار التقاليد الموروثة وفي حدود السلطة الخارجية؛ أي أنهم لم يكونوا أرواحاً حرة ولا عقولاً مغامرة وما كان بإمكانهم أن يكونوا كذلك، وبانهيار السلطة الكهنوتية في القرن الثامن عشر، ظهر نوع جديد من المعلمين الأوصياء ليملأ ذلك الفراغ ويسيطر على أذن المجتمع.
لا يوجد مراجعات