العقل والمعتقد الديني: مدخل إلى فلسفة الدين
سؤال فلسفة الدين سؤال فلسفى، والتفكير فيها تفكير فلسفى، وقراءتها للدين ومعتقداته قراءة فلسفية، وبذلك تتميز عن: علم اجتماع الدين، وأنثربولوجيا الدين، وعلم النفس الدينى، وغيرها من علوم تهتم بدراسة الدينِ وتمثلاته فى حياة الفرد والجماعة، فكل من هذه العلوم يدرس كيفية تعبير الدين عن حضوره فى الحياة، والأثر والتأثير المتبادل الناتج عن التفاعل بين الدين وثقافة المجتمع ونمط تمدّنه، وكل هذه العلوم يدرس الدين فى ضوء مناهجه ومفاهيمه وأدواته فى البحث العلمى، ويتركّز بحثُه على ما يحدثه الدين فى المجال الخاص الذى يدرسه.
لا تختص فلسفة الدين بدين أو فرقة أو مذهب، ولا تسعى للدفاعِ عن معتقدات جماعة دينية، كما هى وظيفةُ اللاهوت، وعلم الكلام، ففى لاهوت أى دينٍ يظل اللاهوتى يفكّر تحت سقفِ المعتقد المركزى للدين، ولا يخرج عن إطارِه الكلى مهما كان رأيُه، وفى علمِ الكلامِ الإسلامى يظل المتكلمُ يفكّر تحت سقفِ التوحيد والنبوة، فإن خرج اجتهادُه عن مسلّماتِ الاعتقاد فنفى وجودَ الله وأنكر النبوةَ لم يعد متكلمًا.
أما فيلسوفُ الدين فلا سقفَ يخضع له عقلُه، ولا إطارَ يتحرك ضمنَه تفكيرُه، ولا مسلماتٍ يصدر عنها، لأنه لا يقوده إلا العقلُ، ولا ينتج فهمَه للدينِ والمعتقداتِ الدينية أيّةُ سلطةٍ معرفيةٍ تتعالى على العقل، فمنطقُ فهمِ فيلسوفِ الدين للمعتقدات الدينية هو ذاتُه منطقُ فهمِه للوجود والمباحثِ الكلية المعروفةِ فى الفلسفة.
تبتعد فلسفةُ الدينِ عن الأحكامِ المعيارية، ولا تتبنّى أيّةَ مواقفَ مسبقة، ولا تتحمّس فى الانحيازِ لأيّةِ ديانةٍ أو معتقد، فلا يحضر الإيمانُ أو الاعتقادُ بدينٍ معينٍ، بوصفه شرطًا، فى تفكيرِ فيلسوفِ الدين، ما يحضر هو العقلُ الفلسفي، من دون أى توصيفٍ أو شرطٍ إضافى يقيّد العقل، أو يملى عليه طريقةَ تفكيره، أو يرسم له حدودَ الأفقِ الذى يتموضع فيه، أو المنطقَ الذى يوجِّه مسارَ تفكيره.
لكن لا يمكننا أن ننكر أثرَ السياقِ الدينى لنشأةِ وتطورِ فلسفة الدين، الذى ترك شيئًا من بصمته فى أعمالِ فلاسفةِ الدين، فلم تتحرّر دراستُهم للدين من أسرِ أمثلةٍ وقصصٍ ومواعظَ الكتابِ المقدّس، وإن كان منطقُ فهمِهم لها مختلفًا بشكلٍ واضحٍ عن منطقِ فهمِ اللاهوتيين، ففيلسوفُ الدين، وإن كان يهوديًا أو مسيحيًا، لا مرجعيةَ له خارجَ عقله، ولا أيةَ مسلماتٍ تسبقُ تفكيرَه، إلا المسلماتِ المضمرةَ فى اللاوعي. يقوده عقلُه الفلسفى ويستند إلى أدلته، وإن انتهت أحيانا تلك الأدلةُ إلى نفى المصدرِ الإلهى للكتابِ المقدّس، وإلى عدمِ قبولِ تفسيرات وتأويلات اللاهوتين لنصوص هذا الكتاب.
لا يوجد مراجعات