الأفعى و البحر
الفضاء المغاربي وتحولاته عبر الزمان والمكان، وتأثيره على المجتمع والأفراد هو ما يرصده محمد زفزاف في (الأفعى والبحر)، ويتم التعبير عنه من خلال شخصية "سليمان" الذي وصل من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة صغيرة تقع على البحر، لقضاء العطلة الصيفية عند خالته "حليمة"، فيدخل الشاب في شبكة من العلاقات الإجتماعية الجديدة ولكن ظل حبيس أفكاره وأحلامه، وخاصة عندما يسترجع علاقته بثريا الغائبة، والتي لم تلتحق به لقضاء العطلة معه، ولتظل الدار البيضاء مكاناً خصباً لأحداث الذاكرة، بينما تتحرك الأحداث في المدينة الصغيرة الشاطئية.
ترتكز الرواية على شخصية سليمان الذي لم يكن عادياً كأختيه: "لم يكن سليمان يشبه أختيه في شيء، فقد كانتا عاديتين إلى حد بعيد تزوجتا وأنجبتا واهتمتا بأبيهما...". أما سليمان "لا يحب الحركة وإنما السكون، ويقضي وقته في المطالعة: "إنك تقضي وقتك كله كما أعرف في مطالعة الكتب والنظر البعيد، حتى أني أعتقد أحياناً أنك ستفقد عقلك" كما أن السارد يقدم جوانباً من شخصية سليمان من خلال علاقته بثريا: ولم يكن سليمان يهتم إلا بخصائص قليلة في المرأة تميزها". وكانت ثريا من ذلك النوع من النساء الذي يثير اهتمام شخص مثله لأنه صعب وغير مفهوم إطلاقاً، من طرف نوعية خاصة من النساء ينظرن إليه كأخ أو كأب، ولم يكن هو يحب ذلك. أما ثريا فيشعر أنها لا تعتبره هذا ولا ذاك، إنها تلائمه، ولا تشبه الأخريات، ولعل ما شده إليها – كما يبدو في الرواية – انطواؤها على نفسها، وعزوفها عن الناس والعالم، واهتمامها فقط بالكتب، الشيء الذي يجعلها تقترب من اهتماماته الخاصة.
صدرت هذه الرواية أول مرة في الدار البيضاء، في العام 1979 عن المطابع السريعة بالمغرب، وهي بحسب ما قيل عنها بقاموس زفزاف "رواية تبحث في الأنفس، وتقيس التغيير، وتلامس الخطابات، وتعتني باليومي، وتسهم في دمج اللغات الممنوعة جرياً وراء المزيد من الإلفة بين القارىء ومغامرة النصوص الجديدة".