الذاكرة المقنعة في ألف ليلة وليلة
يُواصِلُ جيران في كتابه الجديد هذا الحفرَ في إشكالات الذاكرة الذي رسَمَ مَعالِمَهُ في كتابه التّأسيسيِّ "الذاكرةُ في الحَكيِ الرِّوائيّ" الصادر عن دار الكتاب الجديد المتَّحدة. وينعطفُ عملُهُ الجديدُ هذا إلى مُساءلة الذاكرة المعرفيَّة التي تتوسَّط بيننا وبين "الليالي" نازعًا منها مكرَ أُلفَتِها، مُرغِمًا إيّاها على إعادة النظر في ما رسَخَ فيها من فُهومٍ حِيالَها، سواءٌ تلك التي سادَت في الفكر النقديِّ العربيِّ الحديث، أو تلك التي اتَّخَذَ منها الفكرُ الغربيُّ وِجهاتٍ لولوج عالَم الحكاية الليليَّة، وفكّ طلاسمها. وهو، بهذا الفعل المعرفيِّ، يُغيِّرُ الاقتناعاتِ التي لازَمَت دراسةَ النصِّ الليليِّ، ويَكشِفُ عن مَدى رخاوتِها تُجاهَهُ، وسَلبها روحَها الأصيلةَ، وخاصّةً سوء الفهم المُسَبَّب عنها في حقِّ الحكاية ــ الإطار. ليسَتْ ذاكرةُ "الليالي" بقادحةٍ شراراتِ المتعةِ، أو بموقِظةٍ الضميرَ الأخلاقيَّ من سُباته فحسبُ، بل هي أكثرُ من هذا، إنَّها ذاكرةُ الزمانِ أيضًا. وها هنا تَكمُنُ وصيَّتُها التي تَنزِعُ عند كلِّ قراءةٍ إلى أن تجعلَ من نفسِها وَعدًا بإنقاذ النسيان من آفاته، بل إنقاذ ذاكرة النصِّ الليليِّ بالحفر عن أُصولِهِ بوساطةِ بَعثِها من رَمادِ الأرشيفِ الحِكائي العربيِّ.
لا يوجد مراجعات