القربان
قال لعبد الله «راح أغيب كم دقيقة» وخرج من المقهى وقطع الزقاق متجهاً إلى اليسار. وقال عبد الله في نفسه «كأن الزورخانة ستنفعه» وراقبه يحني قامته الطويلة ويدخلها. كانت «الزورخانة» بيتاً قديماً مجهول الأصل، شبيهاً بجارته «الجومة» بابه المصنوع من الخشب الرخيص ذو المصراع الواحد يؤدي إلى فناء مربع الشكل تتوسطه حفرة مستديرة مثلمة الحوافي هي «الجفرة» مهجورة الآن لفصل الشتاء. والى اليسار إيوان صغير بنيت فيه دكة طينية طويلة لصق الحائط فرش عليها حصير من الخوص مهلهل. وفي أقصى الإيوان باب أسود واطئ تهبط بك درجتاه الطينيتان إلى حجرة صغيرة في سقفها «سماية» مدورة. وفي الحجرة دكة طينية أخرى أضيق، ورفوف خشبية وضعت فيها أدوات الزورخانة، ومشاجب منفردة أو مسامير كبيرة تعلق عليها الملابس، والأرض مفروشة ببساط مبقع مختلط الألوان ضار بلون الجلد المدبوغ العتيق. وفي الجانب الآخر حجرة أخرى يسكن فيها حارس الزورخانه، والمقيم فيها. كانت الزورخانة لا تستقبل زواراً كثيرين في موجات البرد والمطر. كان المطر يملأ الجفرة، وينقع الجدران، ويتسرب من خلال السقف إلى أرض الحجرة. وحجرة اللعب لا تتسع لغير لاعبين أو ثلاثة. وكانت الزورخانه زورخانة «المحلة» مثل مقهى دبش. فكان رجال الطرف يترددون عليها من حين لآخر كلما شعروا بأن أجسادهم ثقيلة، وتحتاج إلى تمرين عضلات. مجرد هواية كالسباحة ولعب الدومينو وتدخين النرجيلة.
لا يوجد مراجعات