الليبرالية تاريخ مضاد
يستهل المفكر الإيطالي دومينيكو لوسوردو كتابه بتساؤل تمهيدي حول ماهية موضوع يعتزم تتبع تاريخه، وهو: ما الليبرالية؟ قد يبدو هذا السؤال مثيراً للإحراج، وإجابته تقليدية كالمعتاد. فالجميع يعلم بأن الليبرالية هي تقليد فكري يضع في قلب اهتماماته حرية الفرد التي تتجاهلها أو تنبذها الفلسفات العضوية بتوجهاتها المختلفة. لكن هل هذه الإجابة صحيحة؟ إننا في مواجهة معضلة. إذا أجبنا عن هذا السؤال بالإيجاب، فلن نتمكن بعد الآن من الحفاظ على الصورة التقليدية والبنيوية لليبرالية على أنها فكر الحرية وإرادتها. ومن ناحية أخرى، إذا أجبنا بالنفي، نجد أنفسنا نواجه مشكلة جديدة وسؤالاً جديداً، ليس أقل إحراجاً من الأول. في هذا الكتاب، يبحث المؤلف في التناقضات، لذلك نراه استخدم في عنوانه مصطلح "تاريخ مضاد" لأنه يرغب فقط في لفت الانتباه إلى بعض الجوانب التي يحسب أنها لم تلق إلى الآن الاهتمام الكافي والجدير بها. من ناحية أخرى، يقدم الكتاب الذي بين أيدينا تاريخاً يتعين علينا أن نسلط الضوء عليه، فهو لا يتناول الفكر الليبرالي في جوهره المجرد، بل الليبرالية كحركة وكمجتمع في الواقع الملموس. ومثلما يحدث عند دراسة كل الحركات التاريخية الكبرى، سيقوم المؤلف بتحري المفاهيم الفكرية، وسيركز بشكل خاص كذلك على العلاقات السياسية والاجتماعية التي تُعبِّر من خلالها الليبرالية عن نفسها، كما سيركز أيضاً على الارتباط المتناقض الذي يربط بين هذين البعدين في الواقع الاجتماعي.
لا يوجد مراجعات