الآثار الشعرية لابي مسلم البهلاني
"بإسمك بالله أخلصت داعياً، أزل حظ نفسي لا تدع منه باقياً، وخذني بنور الله عن بشريتي، إلى عالم التقديس من شهواتيا، ومزق حجب القبض بيني وبين ما توليت عنه من بسيط حياتنا وأشعل وجودي من بوارق فيضه بلامعة تمحو ظلام صفاتيا، وحقق بلا هويته الإسم ذلتي لتلبس ناسوتيّتي العزّ واقيا، وجرد وجودي حيث لا أحدّيتي وجوّد وجوداً آمراً بك ناهياً، يفيض عليه إسم الجلالة فيضة فيسطو جلالي قاهراً متعالياً، ومن عالم التقديس مكّن مآخذي بتأثيره في عالمي حسب حاليا، ومن بسطة الألطاف هب لي بسره بسائط يغني الكون وهي كما هيا، وقوّ شهودي بعد تحقيق ما أنا بما هو وإكشف لي به جهل ما بيا، وجل به ظلمات جهلي وغفلتي فتسطع بالأنوار مشكاة ذاتياً. يستوقف القارئ في هذا النمط من شعر أبي مسلم البهلاتي تلك النعمة الصوفية التي تضفي على قصيدته هذه كما قصائده الأخرى شفافية تعرف النفس في بحار الوجدانيات. وكما في هذا النوع من القصائد، كذا في سائر قصائده، تستوقف القارئ أيضاً، ظواهر جمالية وأسلوبية لافتة، بعضها يمثل فرقاً للسائد في الشعرية العربية الكلاسيكية، نكشف عن جمالياتها تلك القراءة المتأنية التي يلحظها القارئ مدسوسة في ثنايا مطولاته الشعرية بحيث لا يلتفت إليها إلا الباحث والدارس لشعره، لذلك لم يعرفها أحد مقداراً ولو يسيراً من إستحقته تلك الضربات الشعرية من حنوّ شعري وجمالي، من الممكن أن يبرزها تحليل في موقف نقدي خلاق يعيد للشاعر " أنواته المشتتة " في أكثر من دراسة. وإلى ذلك فإن أبو مسلم البهلاني ( 1860-1920 ) المولود في بلدة محرم ( عمان ) هو شاعر، فقيه، متصوف، إصلاحي وصحفي رائد. هاجر قبل بلوغ العشرين إلى زنجبار ( شرق أفريقيا ) وأقام فيها حتى وفاته. عمل في الصحافة والتدريس والقضاء، تمكن من إرتقاء أعلى مراتب سلك القضاء في زنجبار. أسس صحيفة النجاح ( 1911 ) التي رأس تحريرها فترة من الزمن. إستفاد من إنشاء المطبعة السلطانية ( 1849 ) لإصدار أول صحيفة عمانية في زنجبار باللغة العربية، كما أشرف وعني بطبع أمهات الكتب الدينية والأدبية. له العديد من المؤلفات المفقودة والمخطوطة والمطبوعة، إلا أنه ومن المؤسف أن مؤلفاته لم تأخذ حقها في مجالاتها. وكما يقول المحقق، فإنه بالرغم من معرفة أبو مسلم وترديد بعض شعاره الكامنة في الصدور، وملحوظاته المروية نثراً وشعراً على أنشاق الحياة الإجتماعية في زنجبار، لكن وفي حقيقة الأمر، لم يتم الإطلاع على نتاجه الشعري كاملاً في مؤلف واحد تعيد مكانته إليه. من هذا المنطلق جاء هذا العمل والإشتغال على ديوانه الشعري هذا وتقديمه لأول مرة كاملاً في كتاب واحد هو ممتع ومفيد إلى درجة كبيرة بسبب تلك الدراسة حوب بعض الجوانب في شارعية ونظم هذا الشاعر، بالإضافة إلى تلك الحواشي التي أغنت هذا الكتاب وكشفت عن الكثير من الإبداع في صفة أبي مسلم البهلاتي الشعرية.