ثقافة العنف في العراق
إن حالة الالتباس السياسي في الوضع العراقي وما يلازمها من تعقيد فكري وسلوكي، أدى في أحوال كثيرة إلى تحول الجدل أو البحث في أصغر المواضيع إلى رطانة لا منطق لها. هذا الموضوع حفّز الكاتب على إعادة النظر في بعض الأمور الثقافية-الاجتماعية وإعادة النظر في مبدأ رؤية هذه الأمور وذلك من خلال نصوص جمعها الكاتب من أعمال أدباء وكتاب ومثقفين عراقيين مكتفياً بتلك التي خصّها الأعلام بشيء من الاهتمام وهي نصوص لا تتميز بالسوء أو الجودة قياساً بغيرها، لكنها متميزة بوضوح القصد فيما يتعلق بموضوع: حرية التعبير والموقف الأخلاقي للكاتب والنص. ففي نصوص الحرب التي زخر بها عقد الثمانينات في العراق توجد كمية كبيرة من النصوص التي تستحق الإدانة بحق.
ولم تكن تلك النصوص هدف الكاتب، وإنما كان هدفه القيام برحلة قصيرة تتقصى أساليب وطرق الكتّاب المتنوعة في التعبير عن ذاتهم، وهم يقفون في مواجهة واقع مأساوي ظالم، وهي أيضاً رحلة الكاتب، في سبل التأقلم والتكيف، التي تقيمها الذات مع نظام سياسي واجتماعي شديد القسوة.
إذن، فالكتاب يضمّ بحثاً يتوخى دراسة اجتماعية ذات منحى أخلاقي وهذا المنحى هو الهدف المباشر لمجمل الملاحظات والمقارنات والتحليلات التي تناولها الكتاب. وموضوع المسؤولية الأخلاقية هذا، يناقش من خلال مبحثين متداخلين هما، أولاً: الحرب والعنف، وثانياً: سبل التعبير عنهما في الأدب العراقي، وعلى وجه الدقة درجة تطابق هذا الأدب مع أهداف السلطة وسياستها، سواء قصد كاتبوها ذلك عن وعي وإرادة، أم لم يقصدوا، فهو بحث أخلاقي في مبادئ العنف الرسمي، السلطوي وسبل التعبير عنها ثقافياً، أو سبل تداولها أدبياً ويقول الكاتب أنه باستطاعة القارئ أن يسمي هذه الدراسة، بأنها اصطياد في الماء العكر. وهذا نابع من شعور الكاتب الذي لازمه أثناء دراسته للنصوص، منذ بداية تجميعه لها، فكان كلما فتح صفحة جديدة من كتاب خفق قلبه بشدة وهو يمضي قدماً في دراسة نص ما، خشية أن تقع عيناه على كلمات تحمل مشاعر عدوانية أو كاذبة أو منافية لمبادئ الضمير، وهي كثيرة إلى حدّ مقرف وممل، فليس مبهجاً أن تقرأ ذلك، وليس مبهجاً أن تذهب لتجمع الأدلة والبراهين حول ذلك، والأكثر بشاعة هو أن تكتشف وجود ذلك في مواطن لا تحب أن تراها، وفي أشخاص لا تودّ لهم أن يكونوا هناك. لكن الواقع القاسي له أحكامه القاسية. الدوافع التي تقف وراء كتابة هذا الموضوع كثيرة، في مقدمتها حالة الإلتباس السياسي في الوضع العراقي وما يلازمها من تعقيد فكري وسلوكي، أدى في أحوال كثيرة إلى تحول الجدل أو البحث في أصغر المواضيع إلى رطانة لا منطق لها. هذا الموضوع هو محاولة لإعادة النظر في بعض الأمور الثقافية - السياسية، وفي مبدأ رؤية هذه الأمور. ففي نصوص الحرب التي زخر بها عقد الثمانينيّات في العراق توجد كمية كبيرة تستحق الإدانة بحق، ولم تكن تلك النصوص هدفنا. إن موضوعنا، بوضوح تام، هو القيام برحلة قصيرة تتقصى أساليب وطرق الكتّاب المتنوعة في التعبير عن ذاتهم، وهم يقفون في مواجهة واقع مأساوي ظالم، وهي رحلة أيضاً في سبل التأقلم والتكيف، التي تقيمها الذات مع نظام سياسي واجتماعي شديد القسوة.
لا يوجد مراجعات