اعصار في الهلال الخصيب
لا تقتصر رواية «إعصار في الهلال الخصيب» على حمل ملامح دول منطقة الهلال الخصيب، بل تمتد لتحمل هموم ونبض دول العالم برمتها، إذ يقدم عبرها الروائي والإعلامي المعروف عارف حجاوي رؤية مستقبلية لدول المنطقة والعالم من حولها في مسار زمني ممتد إلى العام 2086. ويتم التحكم في سيره بما يُنجز في مستوى علاقات الأحداث والشخصيات وسياقات القص ووضعيات المتكلمين في الرواية. وأول المتكلمين في الرواية الراوي البطل، "أحمد" العائد إلى عائلته في عمّان بعد فترة دراسيّة في بوسطن، والذي لم يكن ليتوقع أن النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين سيشهد إعصاراً يبدأ في الأردن ويعصف بالمنطقة، كما لم يكن يتوقع أنه سيكون في وسطه.. بعد أن دخل العالم النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين بهدوء.. وفي عمّان تبدأ مسيرة الشاب العشريني "أحمد" الذي يتعرف على أستاذ الدروس الخصوصية "باباتي"، الذي هجر العراق إلى الأردن فاراً بابنته التي لم يرد لها أن تنشأ في العراق، والذي سيكون له دورٌ في تعريف "أحمد" بالزعيم الزعتري. الزعيم الذي يحمل مشروعاً سياسياً ذا طابع إصلاحي يدعم قضية العرب الأولى. هذا المشروع سيجد "أحمد" نفسه منخرطاً فيه. إذ يتم تعريفه على أعضاء حزب التكافل الوليد، كما يتم تكليفه بعد عودته إلى بوسطن بالاتصال ببعض الأثرياء الأردنيين من أصحاب حزب التكافل الذين جندهم الزعيم خارج البلاد. وهكذا سيجد "أحمد" نفسه في دائرة لا فكاك منها، يشارك فيها عدد من رجال السياسة السعي إلى تحقيق حلم الدولة العادلة، الدولة التي يتولاها زعيم "مخلص" أشبه بعمر وصلاح الدين وتنصهر فيها الأعراق في سلام وأمان. دولة متخيلة تجمع العربي والكردي والعلوي والسني والشيعي في رابطة إخاء... في إشارة من الرواية إلى أن التغير الذي أصاب العالم العربي اليوم، لا يرتبط فقط بالمتغيرات التي لحقت بالتوجه السياسي، وإنما يرتبط بنسق عالمي، يحلم الجميع بالخروج من إعصاره..
وفي هذه الرواية يكتب عارف حجاوي أيضاً تاريخ من كان التاريخ قد أهملهم. إنهم الفلسطينيون الحالمون بالعودة.. ولكن وفق شروط إنسانية جديدة.. تتخطى ما هو أمر واقع، إلى ما هو أمر متوقع.. وربما مفاجئ..
- من أجواء الرواية نقرأ:
"كان الزعيم متغلغلاً في جيشين ضعيفين على جانبينا: جيش الأنبار والجيش اللبناني. وكان يشير بالانضباط التام إلى أن تحين الفرصة المناسبة. بدا واضحاً أن الأغلبية في البلدين تريد حكم التكافل ولكن حكم التكافل سيحد من سلطات أمراء الحرب في لبنان، وزعماء الميليشيات في الأنبار.
كانت تجربتنا في الأردن وفي الشام تدهش الدنيا، وكان أكثر المندهشين إيانا، قدامى التكافل. كنا ننجز مشاريعنا الصغيرة، في الصناعة وفي التعليم وفي القضاء وفي تعزيز المواطنة ومنح الأقليات العرقية والدينية الحقوق. ولكن هذه كلها كانت أقزام إنجازات نراها تخرج من بين أيدينا شتلات منتثرة في صحراء مقفرة. لا نرى المشهد الكامل لأننا في قلبه، كانت تلك الشتلات تقذف بذورها في الهواء فإذا الصحراء جنة. كان العدل يثمر نفوساً والنفوس تثمر مشاريع أكبر وأكثر من مشاريعنا الصغيرة، كنا نظن أن الماء وحده يستطيع تخضير الصحراء، فاكتشفنا أن العدل يستطيع. صنعنا النموذج فتكاثر. لم ينهض التكافل بالشام بل نهضت الشام بأهلها".
لا يوجد مراجعات