اليد واللسان
في عمله هذا يفكفك عبد الله الغذامي الأنساق المضمرة المختفية خلف الظواهر الثقافية، محاولاً تقديم قراءة مغايرة لمفاهيم القراءة والأمية ورأسمالية الثقافة (ظاهرة الكتب الأكثر مبيعاً).
يرجع المؤلف إنتاج التغيير الثقافي والحضاري إلى السطوة الخطيرة لكل من اليد واللسان، بما هما كائنان قادران على كسر الألفة المدجنة وفضح الأسرار والتوافقات المشبوهة للسلطة سواءً كانت رسمية أم شعبوية وفئوية، فكلاهما سلطتان تتهيبان من اليد واللسان وتحاربانهما حين يقرران سلك الطريق المختلف أو حين يرغبان في توثيق التاريخ الحقيقي (لا الرسمي) أو تقديم ما يمكن أن يرى على كونه اعوجاجاً في سلوك السلطة الرسمية، وفي التاريخ نماذج من انتقام السلطة، ابتداءً من مما حاق طرفة بن العبد في قصة مقتله الشهيرة، مروراً بتهديدات المتنبي، وصولاً إلى عصر الانترنت حيث يحاكم مستعملوه بناءً على آرائهم الحالمة بالتغيير. وهو انتقام ناجم عن تغلغل نسق مضمر مبني على مرجعية ثقافية سلطوية لا تقبل الإختلاف، وتنزع نحو الرأي الواحد.
في مفهوم القراءة وعلاقته بالثقافة: يرى الغذامي بأن هناك ضرورة قصوى لإعادة قراءة مجموعة من الأسئلة الثقافية من وجهات نظر أدق، كمفهوم القراءة، فسؤال: هل نحن أمة لا تقرأ؟، والذي يكاد يتفق أغلب المتتبعين على الجواب بالإثبات بخصوصه. يشكك الغذامي في صحته، ويناقشه من خلال التحديد المفهومي لمصطلح القراءة الذي لا يعدو أن يكون عنده "مجرد وسيلة إرسال واستقبال".
أما في ظاهرة الكتب الأكثر مبيعاً: وهي ظاهرة أملتها التطورات التي عرفتها النظرة إلى الكتاب، الذي لم يعد من وظائفه التثقيف والسمو بالفكر والرأي فقط، بل أضحى أداة تلعب وظيفتين متمايزتين ومتداخلتين: الأولى: مرتبطة بالقارىء الباحث عن الإستشفاء من حزن أو انهيار التوازن النفسي، أو فشل في العلاقات العاطفية أو في تصوره للآخر. والثانية: بالناشر والمؤلف، الذي يسعى إلى أكبر قدر ممكن من التوزيع والمبيعات ضماناً للحضور في السوق والمنافسة.
وهكذا ضم الكتاب مجموعة من المقالات حول القراءة والأمية ورأسمالية الثقافة تشكل بمجموعها متعة باذخة للقارىء العربي وفرصة نادرة لقراءة الظواهر المألوفة على نحو مختلف.
لا يوجد مراجعات