تاريخ الحنين
منذ وفاة خورخي تأتي كلاوديا كل مساء لترقد في هذه الشرفة، كأن مشاهدة بحر المشاة تمنحها الطمأنينة. رجال ناضجون بحقائب مستطيلة تشبه حقائب الدبلوماسيين، عجائز بطيئون صبايا متبخترات برشاقة سيدات يصطحبن كلبا، عمال بزي أصفر، رجال شرطة، شحاذون، الجميع يركض ذهابا وإيابا، في تلك الناصية الرئيسية، حيث انتظرت خورخي مرات كثيرة أثناء خروجه من البنك ليقابلها، كانت كلاودیا تعرف بل كانت متأكدة على الإطلاق، أنه في أي لحظة (ولم تكن لحظة محددة) سيظهر خورخي ؛ صورة خورخي، يسير بين الآخرين، لكنه أكثر ظرفًا وأناقة من الآخرين.
كانت صورة رائقة، أقل من الواقعية، محض صورة شفافة، ربما يرجع ذلك إلى أن آخر ما يتذكر خورخي هو عيناها، أو لعله يرجع إلى أن خورخي يتمتع بعينين دافئتين، وفي الوقت نفسه مخترقتين الأكيد أنه في نظرها لم تكن هاتان العينان شفافتين، الأدق أنها كانت تشعر بأنهما تغدوان شفافتين كلما نظرت إليهما عيناه.
كانت الصورة شفافة، حتى أن كلاوديا كانت تميز من خلالها المشاة الآخرين كأنهم يسيرون وراء كريستال ملون حكاية الحكاية الخيرمان ذات ليلة، وابتسم ولمس جبهتها بسبابته: ما يحدث يحدث هناء. حينئذ أمسكت إصبعه بيد ووضعته فوق قلبها ذاته: «وهنا أيضا».

















الرئيسية
فلتر
لا يوجد مراجعات