هوية فرنسا ج٢

إن الجزئين اللذين يشكلان المجلد الثانى من كتاب هوية فرنسا - الناس والأشياء ، إنما يدوران حول موضوعين ، تجرى دراستهما فى الأمد الطويل :

الديموجرافيا ، الاقتصاد .

والجزء الأول ، انطلاقاً من معيار عدد الناس أساساً ، إنما يدرس فرنسا فى أطرها الزمانية الرئيسية . وهكذا تظهر سلسلة من الفرنسات المتعاقبة ، المختلفة والمتشابهة ، السعيدة أو المعذبة ، المحظوظة أو المحرومة ، بحسب التقلبات الطويلة التي أثارت الجماهير الحية للتاريخ الفرنسى ، علي مر العصور .

وإعادة القراءة المنهجية هذه لماضى فرنسا إنما يجرى الاضطلاع بها بدءً من أزمنة ما قبل التاريخ البعيدة إلى أيامنا الحاضرة . إن أشكال التقدم وأشكال التقهقر ، الانطلاقات والانتكاسات ، تتعاقب من غاليا الكلتية في منتصف القرن الرابع عشر إلى الجائحة الديموجرافية المترتبة علي الطاعون الأسود وحرب الأعوام المائة التي أدت ، من عام ١٣٥٠ إلي نحو عام ١٤٥٠ ، إلى اختفاء نصف السكان أو أكثر من نصفهم . وهذا البتر يمزق تاريخ فرنسا بشكل عنيف . وعلى الرغم من المجاعات ، المتكررة أيضاً حتى القرن الثامن عشر وبالرغم من الحروب ، وبعضها جد قاتل ، فإن فرنسا لن تعرف بعد كوارث مماثلة . إن عصراً ديموجرافياً جديداً إنما يكفل منذ ذلك الحين فصاعداً تزايداً للسكان ، سريعاً إلى هذا الحد أو ذاك ، منتظماً إلى هذا الحد أو ذاك، بما فيه من توقفات وتقهقرات مؤقتة ، لكنه لا يعرف بعد التوقف عن التواصل منذ خمسة قرون.