الطاعون
استطاع الكاتب الفرنسي "ألبير كامو"، بآثاره العالمية عامة ورواياته الاجتماعية خاصة، أن ينال شهرة في العالم قل ما نالها كاتب عصري ويعود نجاحه هذا لأنه استطاع أن ينفذ إلى أعماق النفس البشرية، كما أنه وفق كثيراً في سبراغوار الحياة الإنسانية. ولعل لبراعته في تصوير خفايا الطبيعة وأسرارها نصيباً وافراً في ذلك النجاح الذي أصابه هذا الكاتب الفذ. ولد "ألبير" في السابع من شهر تشرين الثاني عام 1913 في الجزائر وتوفى في الرابع من شهر كانون الثاني عام 1960 في فرنسا. كان البير كامو كاتباً وفيلسوفاً فرنسياً من الطراز الرفيع.
ولد في أسرة عامل ودرس الفلسفة في جامعة الجزائر، وكانت نشاطاته متعددة المجالات، منها المسرح وفن الكتابة الروائية والعمل في الصحافة اليسارية بالإضافة إلى ممارسته لنشاطات اجتماعية وسياسية مختلفة. وتقول سيمون دي بوفوار حول نصوص "كامو" المسرحية "إن نصوص كامو المسرحية، تبرز فيها شخصية كامو الحقيقية وقيمته الأخلاقية وأفكاره". أما "كروشاك"، فيقول عنه: إن إحدى المشكلات التي واجهته باعتباره كاتباً مسرحياً، هي تصوير شخصيات مفردة ومقنعة في الوقت الذي تعالج فيه مشكلات فلسفية. إنها أسئلة الوجود والعدم، وقيم الحرية والإرادة، كانت تتردد على الدوام في مسرحيات عدد كبير من الكتاب الذين سبقوا كامو وعاصروه مثل آنوي وسارتر وسيمون دي بوفوار، لكن نصوصه أبرزت محاولات لإعادة العمل على هذه الأسئلة وفق المفهوم الإغريقي للمسرح.
فالمواقف المحرجة التي تجابه الشخصيات والقدر الذي يقتحم حياتهم بشكل مفاجئ، هي من سمات التراجيد بالإغريقية التي حاول محاكاتها. توصلنا جميع مؤلفات "البير كامو" إلى حكايات ذات مغزى وإلى أساطير تراجيدية للأخلاق، سادت في الكون عندما كان الإنسان فيها شديد النرجسية ويعد نفسه ممثلاً للحقيقة، شاقاً طريقه على هذا الأساس. وبالرجوع إلى مضمون حوادث هذه القصة المثيرة (الطاعون) والتي يرويها البير كامو ننجد أنها قد جرت في الأربعينات في مدينة وهران، وقد أجمع الناس على أن تلك الحوادث غير المألوفة التي تسردها لم تقع في المكان المناسب لها، فمدينة وهران تبدو، في الواقع، مدينة عادية لمن ينظر إليها لأول وهلة، إذ أنها ليست سوى مديرية فرنسية على الشاطئ الجزائري. ولكن من ينظر لهذه المدينة بعمق يلحظ الصعوبة التي يلقاها الناس في سبيل الموت، وكلمة "صعوبة" ليست هي الكلمة المناسبة هنا، وربما كان الأصح أن نقول: "عدم الراحة"، وذلك أنه إذا لم يكن من الأمور المستحبة في أي مكان أن يصاب المرء بالمرض، فهناك مدن وبلدان تساندك في مرضك، أما في وهران فإن قساوة الجو، والأهمية القصوى التي تعلقونها على الأعمال المالية، وتفاهة منظر المدينة الخارجي، كل ذلك يتطلب أن يكون الإنسان في صحة جيدة، فمن يقعده المرض فيها لا بد أن تضنيه الوحدة. فلنفكر إذن في من يحضره الموت وقد وقع فيما يشبه الفخ خلف مئات من الجدران التي يضطرم حرها، بينما تنكب جموع السكان في الوقت ذاته إلى التحدث في الهاتف أو المقهى عن عقد الصفقات... وحينئذ نستطيع أن نفهم مدى ما يعانيه الناس من الانزعاج عند الموت عند ما يحضرهم في مكان جاف كهذا المكان، ولو كان موتاً عصرياً. تفاصيل المأساة التي أصابت سكان مدينة وهران هو ما يرويه "البير كامو" في رائعة الطاعون التي يصف فيها مقاومة ورباطة جأش سكان هذه المدينة المنكوبة.
لا يوجد مراجعات