أسطورة شق صدر النبي محمد
في التراثِ الإسلامي روايةٌ، مفادهُا أنّ صدر النّبي مُحمّد شُقّ من قِبل ملكٍ أو ملكينِ أو ثلاثة، واستخرجوا قلبُه، وعملوا فيه شيئاً، ثمّ أرجعوه إلى مكانهِ، وأعادوا الجسد كما كان، حصلت هذه الحادثةُ في فتراتٍ مُختلفةٍ من حياة النّبي وفقاً للحديث والسُّنّة: في طفولتهِ، وقبل سنواتٍ من بعثته نبيّاً، وفي وقتِ بعثته، وأخيراً في التمهيدِ لـ (الإسراء ليلاً إلى القدس)، ومعراجِه إلى السماء، وكانت موضع اهتمامِ كثيرٍ من العلماء، ولا سيّما من حيثُ ارتباطها بالمعراج، وتشابهها مع ما كان في دياناتٍ أخرى، من أُوجهٍ متعدِّدة، وقد أجمعت آراءُ الباحثين، في العصر الحديث، على أنّ ارتباط أسطورةِ شقِّ الصدر بالمعراج كان في أقدمِ رواياتها، وقد حاول باحثانِ في وقتٍ واحد تقريباً، وبشكلٍ مُستقلٍّ، هما برترام شريكه وأنتوني آشلي بيفان، إثبات أنّ أُسطورة شقِّ الصدر (ومن ثمّ شقُّ القلب) القديمة هي للتمهيدِ إلى معراجِ النّبي مُحمّد إلى السماء، واتّبع جوزيف هورفتس هذا الرأي، بينما بقي علماءٌ آخرون، مثلُ فرانتس بوهل وهانز هاينريش شيدر، مُتشكِّكين، أو مُتردِّدين في قبوله.
تتّفقُ أبحاثُ شريكه وبيفان وهورفتس على نقطةٍ مركزيةٍ واحدة، هي أنّ أسطورة تطهيرِ القلب التي هي خطوةٌ أوليّة لمبعث النّبي، كانت للتمهيدِ للمعراج.
وحججُهم الرئيسةُ هي:
1. هناك رواياتٌ مُماثلةٌ من دياناتٍ، أو عقائدِ قديمةٍ أخرى، ذكرها شريكه.
2. عُدّت أسطورةُ تطهيرِ القلب مُقدمةً لأسطورةِ المعراج كما جاء في أقدمِ حديثٍ عند مُسلم.
ورأى هورفتس أنّه لا يُمكنُ إرجاعُ أسطورةِ شقِّ الصدر الإسلامية إلى اختلاقٍ (النبي) مُحمّد لها؛ لأنّها موجودة في أديان، يُعتقد أنها أثّرت في الإسلام، بخلاف شريكه الذي رأى أنّها من اختلاق (النبي) مُحمّد مع أسطورة المعراج، ويبدو أنّ رأي هورفتس مقبولٌ عموماً، أو مُستحسنٌ على الأقل، إذ تأسّس على استخلاصاتٍ من رواياتٍ مُماثلة في أديانٍ أخرى، ودراساتٍ وأفكار عامّة، لا على البحثِ الدقيق في الرواياتِ الإسلامية.
إلى جانبِ ذلك، لم تُبحثْ أسطورةُ شقِّ الصدر على حدةٍ، باعتبارها أسطورةً مُستقلةً، بل استُحضرت مع أسطورةٍ أهمّ منها، هي أسطورةُ المعراج، وكذلك لم يُبحث تطوُّرُ عقيدةِ عصمة النّبي من الخطأ كما ينبغي، ولم تُفردْ أحاديثُها المُختلفة في حقلٍ دراسيٍّ خاصٍّ، ولم تخضعْ لتحليلٍ مقارنٍ دقيق، ولم تُؤرِّخ على أساسِ بياناتٍ واقعية، فتعيّن علينا إذنْ بحثُ كلِّ الروايات ودراستُها؛ للحصولِ على فهمٍ واضح.
لا يوجد مراجعات