العوالم الثلاثة مذكرات يهودي عربي
إن الصهيونية أيديولوجية أوروبية المنشأ والأفق ومركزها وبؤرتها الجمعية اليهودية الأوروبية حصرًا. وليس اليهود العرب، وغير الأوروبيين عمومًا، على خارطتها، أو على سلم أولويتها أصلًا، حتى إن استقدامهم فيما بعد إلى فلسطين كان أدئيًا بحتًا وللحاجة إلى رأسمال بشري. وكان هناك امتعاض وتردد في الجدالات التي تنضح عنصرية بين النخب الصهيونية والأشكنازية من عواقب استقدام يهود شرقيين يرون على أنهم سيجلبون معهم التخلف والأمراض. يظل الجرح الأعمق في ذاكرة اليهود العراقيين الجمعية، بعد تهجيرهم، هو قيام السلطات في إسرائيل برشهم بالمبيدات بعد هبوط الطائرات التي كانت تنقلهم من العراق.
كان آڤي شلايم، مؤلف هذا الكتاب المهم، طفلًا في الخامسة من عمره، حين هاجرت عائلته إلى فلسطين. ولم يكن اسمه آڤي آنذاك، بل أبرهام. لقد دفع اليهود العراقيون والعرب والشرقيون عمومًا، أثمانًا باهظة بعد نزوحهم إلى إسرائيل؟ فإضافة إلى خسارة وطنهم وبيوتهم وممتلكاتهم، كان عليهم أن يتأقلموا مع مجتمع عنصري تحمه تراتبية تتربع على قمتها الثقافة الأوروبية التي تزدري ثقافتهم وعادتهم وطقوسهم. كانت ضريبة الانتماء والاندماج هي الانسلاخ الثقافي المؤلم، الذي يبدأ بتغيير الأسماء، ويتطلب فقدان الذاكرة أو طمسها وإسكات أصواتها، وتمثل قيم المجتمع الجديد. التمثل الذي قد يصل أحيانًا إلى كره الذات والشعور بالعار والتنصل من ماضِ يتعارض مع السردية الصهيونية الأوروبية التي تهيكل الأسطورة القومية وإنكاره. فلم تكن هذه البلاد المسروقة "فردوسًا موعودًا" لليهود العرب والشرقيين، كما هي للأوروبيين الهاربين من محرقة، ومن غرب ظل يكرههم ويلاحقهم بشراسة وصدر عنصريته إلى بلادنا وثقافتنا التي يُسقِط عليها اليوم عنصريته المتجذرة.
لا يوجد مراجعات