الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر دراسة مسألة: في العقلية العراقية تجاه الأقليات
يعد من نافلة القول تكرار التأكيد في كون الآشوريين هم، من الناحية القومية، تقريباً، معظم أبناء الطوائف الكلدانية والسريانية والمشرقية "النسطورية" في العراق. فالآشوريون هم شعب واحد أو مجموعة قومية واحدة، برغم الاختلاف الطائفي والكنسي بينهم وتعدد تسمياتهم، فإن لهم مقومات قومية مشتركة، من لغة وتاريخ وتقاليد وأماني وتطلعات، تجعلهم ينتمون إلى مجموعة واحدة، كما تجعلهم مختلفين قومياً، لا بل وحتى دينياً، عن غيرهم من القوميات العربية والكردية والتركمانية في العراق، وما يترتب على هذا الاختلاف الأخير من معتقدات وممارسات تراثية واجتماعية.
والمهم في هذا الموضوع الذي هو مدار الدراسة في هذا الكتاب هو البحث في نظرة الفكر العراقي إلى الآشوريين، التي تختلف عما هو عليه في الحقيقة التاريخية الموضوعية لهذه المجموعة. إن المسألة الآشورية في العراق كانت قد طغت على السطح السياسي، عراقياً ودولياً، وبشكل بارز في الثلث الأول من هذا القرن، وتكوّن الفكر العراقي تجاهها بما فيه من أفكار وتصورات وسياسات ومواقف متناسقة ومترابطة، لذلك فإن منطق البحث يقضي بأن تكون هذه التصورات والمواقف نماذج من هذا الفكر، والتي تواصلت نحو الفترات اللاحقة بحيث انسحبت تقريباً على كل مراحل تاريخ العراق السياسي المعاصر.
ويجدر الإشارة إلى أن تأكيد المؤلف بأن هدفه من طرح هذا الموضوع ليس للنشر في سلبيات الماضي المؤلمة لتاريخ العراق المعاصر، وإشارتها بشكل تحريضي أو استفزازي. إنما هدفه المبتغي هو دراسة جانب من بعض جوانب تاريخ العراق السياسي المعاصر الذي ما زالت تأثيراته قائمة حتى اليوم، ومن ثم محاولة تقييمها من خلال طرح وجهة نظر الطرق الآخر المتمثل بالجانب الآشوري وذلك على طريق فهم سلبيات الماضي ودراستها وتقويمها بنظرة علمية موضوعية ليحول ذلك دون حمل تلك السلبيات بجوانبها المهلكة المدمرة، ونقلها إلى الحاضر وبناء أسس المستقبل عليها.