منطق العنف في الحروب الأهلية
العنف في الحروب الأهلية ليس عنفا مجنونا أو هائجا أو بلا معنى؛ بل هو عملية معقدة يشترك بها الفاعلون السياسيون العسكريون مع المدنيين غير المقاتلين. هذا هو باختصار ما يخبرنا إياه بروفيسور الحوكمة في قسم السياسات والعلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد، ستاثيس كاليفاس، استنادا على بحثه المعمق بالنظريات القائمة حول الحرب الأهلية ودراسته لعشرات الحروب الأهلية منذ فجر التاريخ حتى اليوم، بجانب عمله الميداني التجريبي المكثف في اليونان، والذي وصل به لنتائج شبه متطابقة مع أطروحته، التي باتت أحد أهم المراجع حول ظاهرة الحروب الأهلية، وتكاد أن تكون اليوم أطروحة "كلاسيكية" لتفسيرها.
وللوصول إلى ذلك، يأخذنا كاليفاس في كتابه الممتع، رغم قسوة موضوعه وتفاصيله ووحشيتها، في رحلة بالحروب الأهلية عبر الزمان والمكان: من مدن- دول اليونان القديمة المرتبكة بـ"الفتنة"، ومن أرياف فرنسا الثورية وأقاليم أمريكا الحرب الأهلية ومدن روسيا البلشفية، ومن قرى فيتنام الصغيرة وغابات أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وصولا إلى نقاط تفتيش بيروت وحواجز بغداد، ضمن الكثير غيرها، وفي جولة عابرة للتخصصات: انطلاقا من العلوم السياسية، ومرورا بعلم الاجتماع وعلم النفس ودراسات الحرب والتاريخ، وليس انتهاء بالإحصاء والرياضيات، ليقول لنا بثقة إن الحرب الأهلية أولا ليست مجنونة، وثانيا إن عنفها ليس حالة عاطفية أو شعورية، وثالثا، مقدما لنا هذا المنطق عبر فصول الكتاب الأحد عشر.
يتأسس هذا المنطق انطلاقا من أن الحرب الأهلية بجوهرها هي حرب على السيطرة المنقسمة بين السلطات والأطراف الأخرى، بدرجات متفاوتة، تدفع الطرف المسيطر المتلهف للمعلومات للتعاون مع السكان المحليين، الذين يحرصون على تقديمها كذلك، إما لتجنب الأسوأ من القتل أو الاعتقال أو التبليغ المضاد في حال رفضهم التعاون، أو سعيا للأفضل باستخدام هؤلاء الفاعلين لتصفية حساباتهم الشخصية والمحلية والتخلص من خصومهم، ليصبح هذا العنف في النهاية عملية مشتركة بين الفاعلين السياسيين المسلحين والمدنيين العزّل، ولتصبح الحرب الاهلية، لا مجرد تسييس للحياة الخاصة كما هو شائع، بل أيضا خصخصة للعنف السياسي، مما يجعلها أحد أكثر الظواهر تعقيدا وأهمية وتأثيرا بالتاريخ، منذ ظهور فكرة الدولة، إلى يومنا هذا، خصوصا في عالمنا العربي.
لا يوجد مراجعات