الشطيرة
لا شك أن ميلاد الجنس الأدبي، أو تحوله، مرتبط - في الأساس - بفعل المجتمع، فميلاد رواية "الشطيرة" للكاتب الأميركي تشارلز بوكوفسكي يتوازى مع متغيرات لحقت ببنية مجتمعه، حياة كاملة عاشها "تحت الأرض" على الهامش في لوس أنجيلوس، عندما كانت أشبه بمدينة للبؤساء.
لم يكن أمام بوكوفسكي أي فرصة، عاش طفولة معذبة، والتي كما لاحظ النقاد أنه تأخر كثيراً في الكتابة عنها، حدث ذلك للمرة الأولى في روايته "الشطيرة" نقلها إلى العربية علي لطيف، كونها تعد من أفضل أعمال الكاتب، نشرت الطبعة الأولى منها عام 1982، والطبعة العربية عام 2017.
يمتد زمن الرواية من عشرينيات القرن العشرين وحتى بداية الحرب العالمية الثانية، وهي فترة تعرف في الولايات المتحدة الأميركية بفترة الكساد الكبرى، حيث واجه الأميركيون أصعب أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخهم... دفعت هذه الأزمة شريحة كبيرة من المجتمع نحو الحضيض، وتحولت الكثير من العائلات الميسورة إلى عائلات فقيرة.
وتتحدث هذه الرواية عن المرحلة العمرية الأكثر ألماً في حياة بطل بوكوفسكي "هنري تشينازكي والذي يعرف فيما بعد بين أصدقائه بــ "هانك"، مرحلة الطفولة والمراهقة، ومن ثم بدايات الشباب، هذه المرحلة الغامضة هي التي جعلت من هانك ما هو عليه، والتي جعلت من بوكوفسكي ما هو عليه أيضاً، فهنري تشينازكي (هانك) ليس سوى الأنا العليا لبوكوفسكي...
وهكذا يبدأ الكاتب على لسان سارده بوصف مشاهد متقطعة من طفولته... ما استطاعت ذاكرته الصغيرة إلتقاطه وتخزينه، عائلته المهاجرة من ألمانيا، جدته الصارمة التي كان يخشاها، تهديداتها بأنها سوف "سأدفنكم جميعاً!"... إن لم يأكلوا جيداً، ثم يذكر مشهداً لجده، كان جدّه سكيراً وكيف كان والدا هنري يرغبان في أن يبعدا ابنهما عن الجد، لكن هنري أحبه كثيراً وفضله على والديه وجدته، ثم يتحدث بعد ذلك عن أفراد آخرين من عائلته، صور تُعبر عن حياة مفككة، ولكنها لم تكن ذكريات عشوائية، بل عبارة عن إرهاصات - إيحاء - لما سيحدث لهنري في المستقبل... وخاصة بعدما تسيطر عليه شخصية أخرى هي شخصية والده في عبر علاقة تتحول فيما بعد إلى حرمان وكراهية؛ يتحول بعدها البطل إلى حاقد يثور على كل شيء!!...
لا يوجد مراجعات