الموسيقى الخفية
[سأجري بسرعة ولن أتوقف عن الجري.. حتى ألحق بالخيّالة/ سأذوب في الهواء أصبح عدماً... حتى أصل إلى حبيبي/ سأصبح ناراً أحرق بيتي.. وأذهب إلى الصحراء. سأصبح ألماً حتى أبرأ. سأصبح متواضعاً وأصير تراباَ.. حتى تنمو أزهارك فييّ/ سأقبّل الأرض وأصبح ماء.. حتى أستطيع أن أتدفق إلى بستان وردك/ سأجعل وجهي يشعّ مثل عملة ذهبية.. حتى أصبح جديراً بحبيبي] [جئتُ إلى هذا العالم، عاجزاً وخائفا، لكنّي في نهاية هذه الرحلة، سأجد الأمان/ إنّ نعمة الحق مثل الماء، تتدفق في الجدول/ لقد جئت إلى هذا التراب.. حتى أجد طريق عودتي إلى حبيبي] [ إن لم تكن بحثت عن الحقيقة قطّ.. فتعال معنا.. وستصبح باحثاً عن الحقيقة/ إن لم تكن عازفاُ قط.. فتعال معنا.. وستجد صوتك/ إن كنت تمتلك ثروة طائلة.. فتعال معنا.. وستصبح متسولاً للعشق/ إن كنت تظن نفسك سيّداً.. فتعال معنا وسيحوّلك العشق إلى عبد/ إن كنت فقدت روحك.. فتعال معنا وانزع أغطيتك الحريرية... وارتد جبّتك الخشنة وسنعيدك إلى الحياة/ في لقاءاتنا، شمعة واحدة تضيء مئة.. سنصيئ طريقك ونمنحك الشجاعة... لتنفتح مثل زهرة، وتشاركنا ضحكنا البهيج/ اغرس بذرة الحقيقة وراقبها تنمو.. و عندما تنشر أغصانها.. تعال معنا واجلس تحت البراعم... عند ذلك ستُفتح عيناك على الحقيقة.]
شعر الرومي هذا موسيقى خفية تحلّق بالروح إلى أسمى المراتب.. في لحظة أثيرية تنعتق روحك من إسار الجسد متنقلة في عوالم سماوية تبلغ فيها ذروة السعادة الروحية.. فكل قصيدة تنقلك إلى عالم مختلف، وهي تدور دائماً في عالم العشق الإلهي.. وشأن الرمي الذي وجد في التبريزي صديقه ورفيقه الوحيد، وماء حياته، وموسيقى روحه، نجد نحن أيضاً في الرومي الصديق الذي يطفئ ظمأ روحنا، وتبدأ أرواحنا بالتحليق عالياً لتهيم في ذلك العشق الإلهي وله في تلك المسارات الروحية قصة. كان الرومي في السابعة والثلاثين من العمر عندما التقى بأحد سادة التصوف الروحيين، في هيأة درويش.. كان ذاك المتصوف شمس التبريزي. فغدا شمس توأم روح الرومي، ومصدر إلهامه الشعري الذي كان ينتظره منذ زمن طويل. وكان شمس التبريزي رجلاً غامضاً، في الستين من عمره، صوفيّاً، جوّالاً يسير على طريق العشق، وكان رثّاً الثياب.. يجوب العالم بحثاً عن شخص يقدّم له حكمته ويصبح رفيق دربه، وقد وجد ذلك الشخص في الرومي، ووجد الرومي في شمس تجسيداً لجمال الله. لقد فتح شمس التبريزي للرومي آفاقاً جديدة من العشق الإلهي، وأراه الطريق المباشر إلى الحبيب من خلال القلب. لقد أراه طريقة روحية من العيادة بواسطة الشعر والموسيقى ورقص السماع، وعرّفه بأن الوصول لا يكون إلّا بإنكار الذات. ولم يعرف أحد قطّ ما جرى بينهما، لكن القصائد الواردة في "ديوان شمس الدين التبريزي" و "المثنوي" التي تدفقت من الرومي هي الدليل الوحيد على العشق الذي كانا يكنّانه لله تعالى. وقد كان اختفاء شمس المفاجئ هو الذي حفّز الرومي على هذا الدفق من قصائد الاشتياق والعشق الإلهي.
لا يوجد مراجعات