ديناميات الهوية: نهاية وانبعاث التنوع في الشرق الأوسط
في مقابل هجرة الأقلِّيَّات من مصر وسوريا ولبنان والعراق عادت أشكال وهُويّات قديمة كانت غائبة، ومثلما كانت داعش نتاجًا معقدًا لفشل الدَّولة مضفورًا بعوامل إقليمية ودوليَّة، كذلك فإنَّ عودة الزرادشتية بعد غيابها أكثر من ألف وخمسمائة عامّ يؤشِّر إلى مخرجات هذا الفشل. وتطورت مطالب جديدة في سياقات متغيِّرة مثل مطالب الأرمن بالإعتراف بالإبادة الجماعيَّة بعد مرور قرن على إرتكابها 1915-2015، ومساهمة البهائيين وحضورهم في المجال العام في العديد من دول المنطقة مثل تونس ومصر واليمن والعراق، بعد الربيع العربيّ. يحلل الكتاب التأثير العابر للحدود على صحوة هُويّات مقموعة منذ قرون في المنطقة، مثل تصاعد الوعي بحقوق ذوي البشرة السوداء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والإقرار بالتمييز الذي يواجهونه في أكثر من بلد عربيّ أو مسلم، منذ فوز منذ باراك أوباما برئاسة الولايات المتّحدة في 2008. جميع هذه التحوّلات تركت آثارها على دينامياتُ الهُوِيَّةُ في سيِّاق مطالب جديدة ومتغيِّرة على نحو محفِّز لتحدي براديغمات مهيمنة تخيم على تغطيّة قضايا الأقلِّيَّات في الشرق الأوسط، فحتّى وقتٍ قريب، لم تكن الأقلِّيَّات الدِّينيَّة موضع اهتمامٍ أكاديميٍّ كبير، باستثناء بعض الأعمال الكلاسيكيَّة للمؤرِّخين عن المسيحيين واليهود في المنطقة، وقد سيطر براديغم مهيمن على الأدبيات التي تناولها المبشِّرون الغربيّون، والمغامرون، والمستشرقون (الذين لعبوا دورًا معادلًا لدور الأنثربولوجيِّين والإثنولوجيِّين في القارة الأفريقية)، رسَّخ من معرفة الأقليات من خلال المأساة والصدمة"، لذا يدعو الكتاب إلى تغيير هذا البراديغم من خلال إعادة اكتشاف التنوّع الغني في المنطقة وعلاقته بالسيِّاق السِّياسيّ والاجتماعيّ المتغيِّر على نحو لا يحجب علاقة الأقليات بمجتمعاتها الأوسع وحراكهم الداخلي الفعّال على نحو يغيِّر الصورة النمطيَّة عنهم بوصفهم مجرد دمى سلبية تتحرك على مسرح تاريخ الشرق الأوسط.
لا يوجد مراجعات