الحسن البصري والتاريخ الأولي للإسلام
دأبت الوراق للنشر على ترجمة ونشر مجموعة كبيرة من البحوث والدراسات في الجوانب الاجتماعية والفكرية والتاريخية المختلفة، ومساهمة منها في ترسيخ الجانب العلمي والمعرفي بين المجتمعات العربية. ويندرج هذا كتاب الحسن البصري والتاريخ الأولي للإسلام ضمن مشروع دراسة التاريخ الأولي للإسلام والذي عملنا عليه خلال أكثر من عقدين ونصف من الزمن.
صدر الكتاب لـ هيملت ريتر وهانس شيدر ضمن كتب تاريخ متميزة من إعداد المترجم محمود كبيبو.
نبذة عن كتاب الحسن البصري والتاريخ الأولي للإسلام
يقول هيلموت ريتر: إذا ما حاولنا فهم سلوك الحسن استناداً إلى موقفه الأساسي الديني، علينا أن نكون حذرين من اتهام بالتحزب السياسي بسبب هجومه على هذا الحاكم أو ذاك. فهذا الرجل الذي يؤكد في تقواه على الفصل في الإسلام بين الدِّين والسياسة، يتهم معاوية بارتكاب أربعة ذنوب لكنَّه مع ذلك غير معادٍ للأمويين، وهو يعترف بإنجازات زياد ابن أبيه، ويلعن إعدام حجر بن عدي، لكنَّه يحذر من المشاركة في تمرد.
فأحكامه ليست تحزبات وإنَّما أحكام دينية مستقلة على أعمال معيَّنة. إنَّ ما حاولنا إبرازه عن الموقف الأساس للحسن، والمتمثل في النظر الدائم للحياة الدنيوية بمنظار الآخرة والخوف الدائم من الحساب في العالم الآخر، وما يترتّب على ذلك من حزن ومن شعور دائم بعدم الاطمئنان، لم يجد، مهما بدا هذا للوهلة الأولى غريباً، استمرارية تستحق الذكر في الزمن اللاحق بل على العكس، فعند علماء الدين يسود بصورة عامة توقع الدخول الأكيد إلى الجنَّة، وما ينقصهم من الأعمال الصالحة يعوض بشفاعة النبي - التي لا نجد لها أثراً عند الحسن - هذا بصرف النظر عن أنَّ مجرد الإيمان بالله وبرسالة نبيّه يضمن الجنَّة.
ولكن عند الورثة الشرعيين لتقوى الحسن البصري " الصوفيين" ما لبثت صورة الله أن تحوّلت من حاكم آمر ناهٍ، ومن قاضٍ يعاقب الناس على أفعالهم، فالله عندهم هو موضوع للشوق وللتأمل الروحي وانعدام الذات، وبهذه الهيئة الجديدة يدخل الله إلى مركز الشعور، إذ أصبح الشعار: " بعيداً عن الكعبة إلى رب الكعبة بعيداً عن الجنَّة إلى رب الجنَّة".
فقط المعتزلة يبدو، حسب الشواهد الشحيحة المتوفرة لنا عن تفاهم، قد تابعوا "تشديد المعاصي" بمفهوم الحسن، ولكن لا نجد عندهم ذلك الدفء في الشعور الديني، والذي يعطي تقوى الحسن تلك الصبغة المتميزة ويجعلها أقرب من الصوفيين.
البحث الثاني للعالم هانس شيدر
يتكون بحث شيدر من قسمين، القسم الأول عن تضاريس وتاريخ العراق والقسم الثاني ، نسبه، ومولده، وفتوته- حياته في البصرة، وموقفه من الأحداث السياسية المعاصر- المنتهى، والشهرة اللاحقة.
يقول: انبثق هذا البحث عن رسالة بالعنوان نفسه قدمت في تشرين الثاني 1919م لكلية الفلسفة في بريسلا ولنيل شهادة الدكتوراه، لكنَّها لم تنشر آنذاك. وقد طوّر البروفيسور بحثه وقدمت عام 1923 في مجلة الإسلام. ويقول شيدر: " كان عملي قد اكتمل في صيف هذا العام (1922م) لما بلغني خبران دفعاني إلى إجراء تعديل جذري على ما كنت قد كتبته. في 18 أغسطس/ آب أبلغني السيد وزير الدولة الدكتور بيكر أن قد تحدث في كتابه الذي صدر للتو لماسينيون بإسهاب عن الحسن البصري.
ولقد تكشفت لي أهمية الحسن البصري أنَّه كان محترماً على حدٍّ سواء من رجال الدِّين المحافظين ومن رواة الحديث ومن الفقهاء ومن علماء لغة القرآن ومن المعتزلة والصوفيين ومن طرائق الدراويش وغيرهم، وكان الجميع يقدرونه كشيخ جليل.
ويقول شيدر: قد فاق الإسلام جميع أديان العالم، بما فيها البوذية، بالقوَّة التي فرض بها كدين توحيد ثقافة دنيوية موحدة في البلدان التي سيطر عليها وقادها إلى الانتصار على الاختلافات القومية والمحلية. وتعود جذور هذه القوَّة إلى التطورات الأولى التي اتخذها الإسلام في القرن الأول من ظهوره، ولا يعود هذا كثيراً إلى العقيدة النظرية ولا إلى الأمور على الممارسة الدِّينيَّة بقدر ما يعود إلى الواقع الحي لمجرى الأمور على الصعيدين الاجتماعي والثقافي.
إنَّ العناية بمثل هذه الثقافة الأدبية واللغوية تتطلب، في المقام الأول، أمانَ وهدوء الحياة المدنية وهذا الوضع يلزمنا، إذا ما أردنا تتبع الثقافة الإسلامية منذ نشوئها، بأن نتحدث عن المدينة الإسلامية. ومن المعروف أنَّ النظرية السياسية الإسلامية أهملت تعبير المدينة.
وهذا مبرَّر لأنَّ المدينة الإسلامية تفتقر إلى المعيارين الرئيسين لمفهوم المدينة بالمعنى الدقيق مجتمعياً ألا وهما: الطابع الترابطي لجماعة المدينة والتأهيل الطبقي للمواطنين، لكن هذا لا يجوز أن يقودنا إلى تجاهل الحقيقة بأنَّ الشروط الاقتصادية لنشوء الهيئات المدنية في الإسلام كانت متوفرة في كلِّ مكان. بناء على ذلك يحق لنا أن ندرس بصورة مستقلة الشروط الحياتية المتميزة وما ينجم عنها من أشكال للحياة في أقدم المراكز المدنية للإسلام، وأن نقيم صلة بينها وبين التطور الفكري في الإسلام.
ومن جملة في نهاية بحثه المعمق عن جغرافية وتاريخ العراق : (إن " عراق " يكون الاسم منذ البداية مجرد اسم خاص به ، ولا صلة له بالمعنى الذي ركَّبه علماء اللغة، هذا ما يبيِّنه امتداد الاسم إلى "الجبال" وهذا لا يمكن أن يعبّر عن منخفض أو أرض ساحلية، في وقت لاحق دخل التمييز بين "عراق عربي" و "عراق عجمي". وفي عهد الأمويين أصبح اسم "العراق" يعّبر عن الوحدة الإدارية بكامل الشرق المفتوح حديثاً)..
لا يوجد مراجعات