تمهيد لدراسة فلسفة الدين
في نهاية القرن الثامن عشر ظهر مصطلح فلسفة الدين، وهي نوع من الفلسفة تعتمد العقل في بحث وتحليل المؤسسات والمعتقدات والظواهر الدينية وتفسيرها، ولا تتوخى الدفاع عن هذه المعتقدات وتبريرها، مثلما يفعل اللاهوتيون والمتكلمون، وإنما تهتم بشرح وبيان بواعث الدين ومنابعه في الروح والنفس والعقل، ونشأة المقدس وتجلياته في حياة الإنسان، وصيرورته وتحولاته في المجتمعات البشرية.
وبكلمة موجزة؛ فلسفة الدين هي التفكير الفلسفي في كل ما يتصل بالدين؛ شرحاً وتفسيراً وبياناً وتحليلاً، من دون أن تتكفل التسويغ أو التبرير أو الدفاع أو التبشير، وإلى هذا؛ فإن فلسفة الدين تتناول أسئلة تتعلق بإمكان معرفة وجود الله تعالى، ومعرفة صفاته، وكيفية تحديد العلاقة بين الله عزّ وجلّ والعالم، وكيفية فهم طبيعة الله تعالى (ماهيته)، والعلاقة بين وجوده وماهيته.
كذلك تتناول فلسفة الدين أسئلة تتعلق بطبيعة الدين نفسه، وطبيعة اللغة الدينية، بالإضافة إلى أسئلة تتعلق بمعنى العبادة الدينية، ودور الإيمان فيها، وعلاقة الأخير بالعقل؛ هذا ولا علاقة لفلسفة الدين بإيمان فيلسوف الدين والباحث والدارس في هذا الحقل أو عدم إيمانه، كما هو حال المتكلم واللاهوتي اللاهوت وعلم الكلام.
ذلك أن الباحث في فلسفة الدين يفترض أن يكون محايداً، يتحرى الموضوعية، وما يقود إليه العقل والأدلة في بحثه، فهو لا يعنيه تكريس المعتقدات الدينية، مثلما لا يعنيه نفيها، ولا يتوقف تفكيره عند حدود أو سقف معين لا يتخطاه في بحثه، كما يفعل اللاهوتي والمتكلم، الذي ينطلق من مسلمات إعتقادية، ولا يكف عن التدليل عليها، من خلال الأدلة النقلية والعقلية.
وبعبارة أخرى، فإن فيلسوف الدين يتحرى الحقيقة، كما هو الباحث في أي حقل من حقول الفلسفة، كما هو الباحث في أي حقل من حقول الفلسفة، ربما يكون فيلسوف الدين مؤمناً، مثل إيمانويل كانت، كيرلكورد، بلا نتنفا... وربما يكون ملحداً، أو لا أدرياً.
من هنا، فإن فلسفة الدين هي واحدة من الفلسفات المضافة، مثل فلسفة العلم، فلسفة القانون، فلسفة التربية... إلخ، فهي لا تختص بدين معين، أو أديان خاصة، وإنما هي بمثابة فلسفة العلم التي لا تختص بعلم معين، لكن نشأة فلسفة الدين في الغرب، كانت سبباً لأن تتداول العقائد والمقدس والظواهر الدينية في المسيحية واليهودية، لذلك كان الإهتمام بدراسة مفاهيم: الخلاص، التضحية والقربان، التعميد، التجسيد، التثليث، بموازاة دراسة الظواهر والمعتقدات المشتركة في غيرهما.
وإلى هذا، فإن المكتبة العربية تفتقر إلى كتابات جادة في فلسفة الدين، ما عدا مؤلفات قليلة جداً، وبعض الترجمات، ولعل كتاب محمد إقبال "تجديد التفكير الدين في الإسلام" هو أول دراسة جادة في فلسفة الدين، يؤلفها مسلم في العقد الثالث من القرن العشرين.
ضمن هذه المقاربات تأتى مجموعة الأبحاث التي ضمها هذا الكتاب "تمهيد لدراسة فلسفة الدين" والتي جاءت كذلك وبمثابة تمهيد للمضي في وضع مؤلفات عربية حديثة في هذا الموضوع، أي في فلسفة الدين، وقد شملت بعض الترجمات لفلاسفة غربيين كتبوا في فلسفة الدين من مثل بين الإيمان والفلسفة (سبينوزا) بالإضافة إلى أبحاث دارت حول عدد من الموضوعات في ذاك الإطار من مثل الفلسفة الدينية أو الدين الفلسفي (د. فضل عبد الرحمن)، "العقل والإيمان: دراسة مقارنة بين ابن عربي وكير كلورد (د. محمد حسن جوادي)، فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي حوار مع د. أبو يعرب المرزوقي... إلخ.
وقد تميزت هذه الأبحاث بالموضوعية وبالرصانة العلية مما يزيد من أهمية هذا الكتاب ليكون تمهيداً لمؤلفات تبحث في فلسفة الدين بفكر معاصر منفتح.
لا يوجد مراجعات