العولمة والديمقراطية والارهاب
يضم هذا الكتاب مقالات ذات أهمية خاصة واستثنائية للكاتب غزير الانتاج، أحد أشهر المؤرخين المعاصرين في بريطانيا وأوروبا، والذي لا يزال يعمل حالياً كرئيساً لكلية بيربك بجامعة لندن، وأستاذاً زائراً في عدد من كبريات الجامعات في العالم. تركّز هذه المقالات على موضوعات أساسية تتناول الوضع العالمي في إطاره الشمولي، وفي أفق تطوره المستقبلي.
يناقش الكتاب في الفصول الأولى منه، مسألة الحرب والسلم في القرن العشرين، ومن ثم في القرن الحادي والعشرين، ووضع مقارنة تحليلية ليبرز الاختلاف بين الهيمنة الأميركية وسيطرة الإمبراطورية البريطانية، لينتقل بعدها للحديث عن نهاية الإمبراطوريات، وكيف أن معظم المستعمرين للبلدان الأخرى كانوا متفوقين على المجتمعات المحلية من الناحية التقنية فقط ، و"أن العرب وحدهم الذين حملوا معهم لغتهم المكتوبة ودينهم الجديد، وهم الذين جاؤوا بشيء جديد". في الفصل الخامس، يبحث المؤرخ في مسألة الأمم ومفهوم القومية في القرن الجديد، وفي العناصر التي أثرّت فيها كتأثير انهيار الاتحاد السوفياتي، و"التسارع المذهل لعملية العولمة في العقود الأخيرة، وما لذلك من آثار على حركة البشر وقدرتهم على التنقل"، وكعنصر "رُهاب الأجانب" الذي يعكس الانحراف والتفكك الإخلاقي الذي شهدته المجتمعات.
البحث في آفاق الديمقراطية الليبرالية، يحتل الفصل السادس من الكتاب، ليحتل نشر هذه الديمقراطية الفصل السابع منه، ويرى المؤلف أن مسألة النشر هذه "لن تنجح، لأنها تهدد وحدة القيم العالمية"، ولأن عملية "ترحيل المؤسسات عبر الحدود"، "ليس بوسعها التأثير في التغيير الاجتماعي".
أما مشكلة الإرهاب فيكرس لها الفصل الثامن في تفصيل لأشكالها، وتواجدها في مناطق مختلفة من العالم وصولا إلى سيرلانكا، ويكمل في الفصل التاسع رؤيته للنظام العام في عصر العنف، ويرى أن حفظ النظام العام "بات أكثر صعوبة باعتراف الحكومات". في الفصل الأخير، يرى الباحث أن الامبراطورية الأميركية "لا تنفك آخذة في التوسع"، وأن ما ترمي إليه "عقول النخبة التي تتحكم الآن في صنع القرار، أو على الأقل بيدها نصف صنع القرار في واشنطن، هو جعل الشعب يؤمن بفكرة التفوق العالمي عبر القوة العسكرية"، فهل تنجح في ذلك؟ "إن العالم من التعقيد اليوم بحيث لا يتأتى لأية دولة مفردة فرض سيطرتها عليه".
لا يكتفي هذا الكتاب المشوق والهام، بوصف الأوضاع العالمية، وسرد المعلومات الهامة والشاملة التي تتعلق بها، بل يتعدى ذلك إلى التحليل والربط بينها، مدّعماً بالأرقام والإحصائيات، ليصل إلى عمق المشاكل التي يعاني منها العالم اليوم، وليخطّ له في نفس الوقت مجرى سيره المستقبلي.
لا يوجد مراجعات