تاريخ الجنسانية ٢: استعمال اللذات
على الرغم من وجود عدة ترجمات، فإن دار التنوير تعيد ترجمة ونشر كتاب “تاريخ الجنسانية” لثلاثة أسباب: الأول، لأن هذا الكتاب نُشر دون احترام حقوق التأليف. والثاني، لأنه كتاب مهم جدًا. والثالث، هو مناسبة صدور الجزء الرابع من الكتاب، والذي يُترجم لأول مرة، بحيث يكتمل “تاريخ الجنسانية” الذي كان آخر ما كتبه فوكو.
لقد تمحورت كتابات فوكو حول ثلاثية السلطة والمعرفة والأخلاق. وكانت مسألة القمع والسلطة الأساس الذي بني عليه فلسفته، مركزًا على أن العناية بالذات تكون من خلال مقاومة التطبيع والتقويم الذي تفرضه السلطة، والمقصود بالسلطة ليس علاقة ثنائية بين حاكم ومحكوم، وليست أيضًا قانون الدولة، وليست قوة معينة؛ بل إنها علاقات القوة المتعددة التي تتكون وتعمل في أجهزة الإنتاج والأسرة والجماعات، أي أن المجتمع كله يمارس دور السلطة بشكل منظم ومكثف من خلال الخضوع لها، أو تقبّل، منظومة الممنوعات التي تتحول إلى قوة أخلاقية.
إذ يقول فوكو:
في تصفحنا للتاريخ تبدّى لي أنه ليس بالإمكان تجنّب طرح سؤال بسيط وشديد العمومية في الوقت نفسه: لماذا يكون السلوك الجنسي؟ ولماذا تكون النشاطات والمُتع المرتبطة به مادة لاهتمام أخلاقي؟ ولماذا يبدو هذا الهم الأخلاقي أكثر أهمية من الاهتمام الأخلاقي بالمجالات الأخرى رغم أهميتها الجوهرية في الحياة الفردية أو الجماعية، كما الحال بالنسبة للسلوكيات الغذائية أو الواجبات المدنية؟
ويجيب: أعلم حق العلم بأن جوابًا يتبادر على الفور إلى الذهن: لأنها مادة لممنوعات أساسية ينظر إلى خرقها بأنه خطيئة خطيرة. غير أننا بهذا نجعل السؤال بحد ذاته حلًا؛ خاصةً وأننا بذلك نتنكر لكون الهمّ الأخلاقي المتعلق بالسلوك الجنسي ليس دائمًا، بشدته وأشكاله، على علاقة مباشرة مع منظومة الممنوعات؛ لأن الشاغل الأخلاقي يكون قويًا حيث لا يوجد، تحديدًا، إكراه ولا تحريم. باختصار، إن الممنوع أمر، بينما طرح السؤال الأخلاقي حوله أمر آخر.
لا يوجد مراجعات