اعداء الديمقراطية الحميمون
"إن النظام الديمقراطي لا يتقلص إلى مجرد خاصية أحادية ، بل يستلزم تمفصل عدة مبادئ منفصلة وتوازنها. من هنا تتأتى قوته وضعفه في آن معاً .فلا يكفي أي مبدأ، بالنسبة إليه وحده، لضمان نوعية الدولة التي نعيش فيها ، وليس ثمة من هدف خيّر بالمطلق.
الديمقراطية ليست حالة ترتّبت، مبدئيّاً، عن وضعية موجودة سلفاً. إنّها لا تخضع لفلسفةٍ محافظةٍ، ولا لفكرٍ جبريٍّ، ولا للحفاظ على ما هو موجود سابقاً أو لاحترام التقاليد بلا قيد ولا شرط. كما لا تستند على كتاب قديم مقدّس كنوع من القانون الذي يجب دائماً تطبيقه بكيفيّة خاصة. وبطبيعة الحال، فإن هذا العامل من المتطلّبات محمودٌ في ذاته، إلّا أنّ ما تمَّ في مراحل معيّنة من الديمقراطية هو أنّها كانت تنشط من اعتقاد أكثر رسوخاً يتصوّرها حاملة لأفضل المنافع ويعتبرها إذّاك من المشروعيّة أن تفرض على الأخرين بالقوّة، بما فيها الجيوش. وهو ما حدث في ليبيا، وقبل ذلك بسنوات في العراق أو في أفغانستان. وواضحٌ أن ذلك شكّل بالذّات مفارقةً، وليس من المسائل الأقلّ شأناً، إذ يصير التطلُّع إلى التقدُّم، الذي هو أحد المبادئ المميِّزة للديمقراطية، مصدر دمار للدول التي لا تتقاسمها معنا. بعبارة أخرى، يلوح الشرّ هنا خيراً، ولا أعظم من هذه المفارقة فعلاً! " —تزفيتان تودوروف -بتصرف.
عبر عدد من الوقائع السياسية والتاريخية يقدم تودورف رؤيته الفكرية- الفلسفية حول هزال واحتضار ديمقراطية هذا العصر، التي تعاني من الغلو الفاضح ، إذ باتت مهددة في وجودها من الداخل، نظراً للأعداء الذين أفرزتهم. يصرح: "العدو يكمن بداخلنا."
كما لفت إلى أنّ التهديد يكمن في مخاطر داخلية لا خارجية ، أي لم يعد الإرهاب الناجم عن التطرف الديني أو وجود الأنظمة الديكتاتورية من فاشية وشيوعية هي المهددة لكيانها، بل تجاوزات أخرى، ناجمة من مبادئها ؛ منها تحوُّل الحرية إلى طغيان!
كما أسهب في الحديث عن عدة عوامل تضر بالعملية الديمقراطية في العصر الحالي ( في الغرب وأوروبا على وجه الخصوص) ،ك الأيديولوجيا الشعبوية وحيثياتها ( تداعياتها مثل كراهية الأجانب، ورهاب الإسلام، والنزعة الوطنية المفرطة.)، وعن الليبرالية المتوحشة، ووسائل الإعلام الذي أصبح لها نفوذ قوي، ومخاطر الكليانيات الجديدة ك محاربة ورفض التعددية الثقافية وتشويه صورة الاسلام ومحاربته دون الوعي بضرورة فصل الاسلام كديانة عن الأصولية الاسلامية مما ولد عنفاً مضاداً ، وعنصرية تجاه الآخر المختلف ، وكذا هيمنة الجانب الاقتصادي الذي بات يُشكِّل الأولوية على حساب المردود أو المعطى السياسي. فالعولمة الاقتصادية تحرم الشعوب قوتها السياسية، ومنطق الإدارة، الذي يفضي إلى تنميط للأذهان يشهد انتشاراً في كل مكان.
خيمت ظلال روسو ومونتسكيو على فكر تودوروف وكان لها بالغ الأثر في صياغة مخرجات هذا الكتاب.
الكتاب رائع للمهتمين بشجون الديمقراطية وإشكالاتها المتضادة .