بين اللفظ والصورة - تعددية الحقائق وفرجة الممكن
هذا كتاب في السميائيات، إنه يتناول قضايا المعنى من حيث هو أثر الإنسانية في الوجود، ومن حيث هو خاصية للإنسان دون غيره من الكائنات.فالإنسان المتكلّم والناظر وحده يمكن أن يصنع لنفسه عوالم يستمدّها من وجدانه، لا ممّا تقترحه الطبيعة أو تمليه عليه قسراً.إننا جزء من الطبيعة في الظاهر فقط، أما في حقيقتنا فنحن منتجات التمثيل الرمزي بكلّ واجهاته: في اللغة والصور والرسوم، وفي كلّ الوقائع الاجتماعية التي نُعدّها لكي تكون دالة على احتفائنا بما أضافته الثقافة إلى ذاكرتنا، لا بما يمكن أن تتضمّنه توجيهات الجينات فينا.
لذلك لا نَسْتَلْهِم من وجودنا المادي سوى الواجهات التي تغطيها المعاني، فهي وحدها ما يستوطن الذاكرة، أمّا ما يتبقى بعد ذلك فتتكفّل به الطبيعة وتُعيد إنتاجه ضمن دورتها اللامتناهية.واستناداً إلى هذه الذاكرة تتناسل دلالات جديدة لا يربطها في غالب الأحيان أيُّ رابط بما نسميه العالم "الواقعي"، قد يتعلق الأمر برموز صريحة استودعها الإنسان قيماً وأحكاماً، أو هو لاشعور عميق تَشَكّل في غفلة من الإنسان نفسِه فاستنسخ منه كتلاً انفعالية استبطنتها الأساطير والطقوس والرغبات الغامضة.
وهو ما حاولنا تفسيره في دراساتنا لفضاءات الافتراض والسيلفي والإشهار وغيرها.فالصورة لا تشكّل في هذه الممارسات حقيقة في العين، بل هي "رحى" صامتة تنتج استيهامات يجب أن تغطي على تفاصيل الواقع، وهي التي ستعلن عن ميلاد حقيقة جديدة ستكون سبيلنا الأوحد إلى "المتعة" و"السعادة".ذلك أنّ المواطن السعيد هو الذي يحقِّق مواطنته في الفايسبوك والتصوير الذاتي وفي جميع أنواع الاستهلاك خارج حيثيات السياسة والإيديولوجيا.فالتّوق الدائم إلى الوصول إلى"مطلق وهمي" في الامتلاك هو وحده مصدر السعادة.
لا يوجد مراجعات