وهَج المعاني - سميائيات الأنساق الثقافية
في كتابه "وهج المعاني" يتناول سعيد بنكراد مجموعة من الوقائع الإنسانية التي تنتمي إلى المعيش اليومي الذي تخيفه البداهة أو يغطي عليه الإستعمال النفعي، ودواعي اهتمام الكاتب بهذه الوقائع كثيرة، فهذه الوقائع ليست جزءاً من محيط "صامت" بل تندرج ضمن أنساق دالة تحيل على مضامين موغلة لا يمكن أن تستوعبها عين ألفت محيطها وتماهت فيه. ذلك انطافات البداية على التمويه هي مصدر الإحالات الرمزية على أشياء الكون وكائناته، فبرأي المؤلف :"إن المرء لا يستطيع، ضمن تعدد هذه الأنساق وتنوعها، التحكم الواعي في كل منتجات قوله وجسده وطقوسه، فعدد قليل من هذه المنتجات يلبي حاجات صريحة، أما ما يفضل منها فيستعيده الإستعمال الإستعاري ويوجهه نحو تلبية ما تشتهيه الدهاليز المظلمة للداخل النفسي. ذلك أن الإنسان يخبئ في مظاهر "العادي" و"المألوف" و"المتعارف عليه" مجموعة كبيرة من المواقف والأحكام والتصنيفات، كما يضمنها انفعالاته وأهواءه وسيلاً كبيراً من الرغبات التي لم تجد طريقها إلى الإشباع. وذاك ما تقتضيه "تجارب العلامات" تسوق كل شيء، اللغة والمعتقدات واللباس والألعاب، بل قد تسوق أفعال الإنسان وجسده، كما هو الحال في الرياضيات الفردية والجماعية على حد سواء...". وبهذا المعنى تبدو المعاني منتشرة في كل شيء في التصنيف والحكم والتقدير، فالمعنى مخاتل ومخادع ومتعدد الجواهر وأشكال التجلي وأن الظواهر لا يمكن أن تكون مصدراً لمعنى واحد، كما أن الوجود لا يمكن أن يستقيم من خلال رأي واحد، وهذا يعني أيضاً أن سعيد بنكراد لا يشتغل بنصوص معزولة، ولا يتأمل قضايا مفصولة عن الواقع وعن الهم اليومي، بل يحاول من خلال عمله الأكاديمي هذا، الإسهام في بناء إنسان جديد يعرف كيف يقرأ وكيف يعمل وكيف يستمع وكيف يرى في العلامات مدخلاً إلى عوالم أخرى غير ما يشير إليها ظاهرها، وبكلام آخر "اكتشاف المعاني في العلامات لا في ماديات المحيط"، وضمن هذا الأفق تندرج صيغ تصريف الإيديولوجيا في السلوك اليومي.
يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب جاءت تحت العناوين الآتية: الباب الأول: حقائق الدين ونسبية الثقافة، الباب الثاني: واقعية الإفتراض ووهم الحقيقة، الباب الثالث: اللغة والأحكام الثقافية.
لا يوجد مراجعات