ريح الجنة
"لم يشعر أسامة بسعادة في حياته بمثل ما شعر بها اليوم، فها هم جنود الرحمن يدكون "رأس الأفعى" في عقر دارها، وينتقمون لإذلاله الإسلام والمسلمين، بل وينتقم أسامة لنفسه من أميركا التي تخلت عنه بعد طرد السوفيات من أفغانستان، وبدون شعور منه وجد نفسه رافعاً رشاشه الذي لا يفارقه عالياً، وقد انتصب في وسط المجلس وهو يرقص وينشد أبياتاً لأحد المجاهدين. وتوالت الأنباء عن سقوط البرجين بالكامل، فلم يعلق أسامة على ذلك إلا بالقول باسماً: ذاك أبعد مما كنا نتوقع ونتمنى.. كنا نتوقع سقوط طابقين أو ثلاثة، أما كامل المبنى! إنها ملائكة الرحمن تحارب معنا.. فالحمد لله.. الحمد لله.. إن ينصركم الله فلا غالب لكم.. أخذت سمية تقلب صفحات الجريدة وهي تحتسي قهوتها المفضلة، الكابتشينو، في إحدى مقاهي هلسنكي، في ذلك اليوم المشمس من سبتمبر.. والكل من حولها يقلب صفحات الجرائد، فقد كان العالم كله منشغلاً بذلك الحدث الذي هزّ أميركا وهز العالم في أول يوم من النصف الثاني من الشهر.. لم يكن أحد يتوقع أن تهاجم أميركا في عقر دارها، وأن يدمر رمز عظمتها الاقتصادية، وينهار برجي التجارة العالمي بتلك السهولة التي نقلتها الصور التلفزيونية، لقد انهار البرجان وكأنهما قصور رمال على شاطئ تتصارع أمواجه وتتعارك رياحه، وليس كأقوى مبنيين على وجه الأرض. كان حدثاً مفزعاً، أعاد إلى الأذهان مشاهد يوم القيامة كما حذرت منها كل الأديان، ونسيها الناس المشغولون بتفصيلات حياة لا يدري أكثرهم ما معناها، أخذت سمية ترتشف قوتها بهدوء، وهي تنفث دخان سيجارتها بتلذذ واضح، وهي تقرأ موضوعاً عن تفاصيل ما حدث في نيويورك في ذلك الصباح الحزين من يوم الثلاثاء، الحادي عشر من سبتبمر، لعام ألفين وواحد من ميلاد المسيح، وبدون شعور منها، صدرت عنها صرخة حادة لفتت انتباه الجالسين حولها، رغم محاولتها كتمان الصرخة بكفها، وأحست بأن قلبها توقف عن الخفقان.. ثم أخذ يخفق بقوة.. وأخذ الفنجان يهتز في يدها، وهي تقرأ أسماء التسعة عشر الذين قاموا بالعملية.. إنها تعرف أحدهم.. نعم تعرفه.. بل إنها أحست نحوه بعاطفة عنيفة خلال الأيام الماضية.. إنه هو محمد.. محمد الشاب المصري الذي تعرفت إليه قبل عام عبر "غرف الدردشة" في الانترنت، قرأت الاسم مرة ثانية وثالثة، حتى تأكدت من أنه هو لا شك في ذلك، ألقت الجريدة جانباً، وأشعلت سيجارة جديدة أخذت تمتصها بقوة، وهي لا تستطيع التحكم برعشة شديدة أخذت تهز جسدها.. كل حياتها أخذت تمر أمامها في سلسلة من صور سريعة، وكأنها تشاهد فيلماً سينمائياً لا علاقة لها به. طفولتها وشبابها في بلدها استراليا، وهجرتها إلى فنلندا قبل أكثر من ثلاثين عاماً وتعرفها إلى بعض المسلمين في هلسنكي الذين أقنعوها بالإسلام، فغيرت اسمها إلى سمية تيمناً بأول شهيدة في الإسلام، وتعرفها إلى محمد من خلال الانترنت.. كل ذلك مرّ سريعاً أمامها حتى أحست بالدوار يكاد يلقي بها أرضاً، فألقت بنفسها على أول كرسي وجدته.. وهي تمسح دموعاً لم تستطع كبحها.. نهضت.. وقد عزمت على أن تفعل شيئاً لن يموت محمد دون أن تفعل شيئاً ولو شيئاً صغيراً".
بعبارات بسيطة يمكن اختصار الرواية، إلا أنه ليس المهم اختصارها بل المهم الوقوف على أبعادها ومراميها، ثلة من الشباب المندفع وراء جنان الخلد يقومون بعملية الحادي عشر من سبتمبر، مطيحين ببرجين هما رمز للقوة الأميركية. على الصعيدين الاقتصادي والهندسي. يسترسل الكاتب وضمن مناخات لا يمكن القول بأنها خيالية بقدر ما هي مستمدة من أفكار ووقائع حياتية، تتكئ على مبادئ وعقائد يدفع بها الكاتب بقوة من خلال مناقشات تدور بين شخصيات الرواية، مستخدماً تلك الشخصيات للتعبير عن إمكانيات واحتمالات حول مديري العملية تلك والذين نفذوها، الموضوع الذي دار حوله جدل كبير في جميع الأوساط، وما زال السؤال دون إجابة حاسمة من قام بعملية الحادي عشر من سبتمبر؟! ومن كان الواقف وراءها؟! إلا أن الكاتب ومن خلال سردياته يقنع القارئ بصورة جازمة بأنهم فلان وفلان وفلان... هي شخصياته الخيالية التي تمّ إسقاطها على ذلك الحدث الذي غيّر وجه التاريخ. مقحماً القارئ بشكل أو بآخر، بنقاش حول تلك العلميات الاستشهادية وعن خلفياتها وأبعادها في محاولة للوقوف على الدوافع أولاً النفسية الغير مباشرة وثانياً عن الدوافع الأخرى المباشرة التي تلعب دورها في ذلك الاندفاع نحو الموت الذي هو رمز للاستشهاد.
نبذة الناشر:
هذه مجرد رواية... فيها الكثير من الحقائق، وفيها الكثير من الخيال أيضاً... ولكن المهم أن فيها الكثير من السؤال، وأقل القليل من الجواب... تطابُقُ بعض الأسماء والوقائع والمواقع قد يعني كل شيء، وقد لا يعني أي شيء، بقدر ما يعني تمازج الحقيقة والخيال... والهدف؟ أن نعرف لماذا يموت الشباب... بل لماذا ينتحرون وهم سعداء... لماذا يبحثون عن السعادة في الموت وبين القبور؟ سؤال يحتاج إلى أن نُنَقِب في تلافيف المخ... فالعلة تكمن هناك... في الرأس... فعندما يفسد الرأس، فكل شيء فاسد...
لا يوجد مراجعات