العطيلي
"كان صوت عجلات "الرولمان" المعدنية فوق بلاط الرصيف يتردد في مدى الشارع أشبه بجلبة آلية عسكرية. لقد تكوّم فوق الصندوق الخشبي ذي العجلات الأربع كجبل صغير من المطاط، أو كتمثال هلامي للإله بوذا. أما هي فكانت تدفع من الخلف بالصندوق-العربة، بواسطة عارضة خشبية أفقية تلتقي من طرفيها بقطعتين خشبيتين تنحدران لتصلا الصندوق، مما يؤلف ما يسمى المقعد. منذ تسعة عشر عاماً بترت ساقاه، فجلس على هذا الصندوق كمن يجلس على قدره، فأصبح الصندوق كل عالمه، يأكل فوقه، يعمل فوقه، يسهو فوقه، ولا يرفع عنه إلا في حالتين، حين يريد أن ينام أو يقضي حاجته الطبيعية. هي ابنته، ابنة السابعة والثلاثين عاماً. وهي منذ تسعة عشر عاماً، أي منذ كانت في الثامنة عشرة، تدفع بالصندوق وبه لأنها أيقنت أن كل حياتها ستكون مكرسة لهذا العمل. يكلمها بصوته الأجشر المليء بغبار العمر وهي تدفع بسرعة فائقة: لقد تأخرنا كالعادة. لا بد من أنهم احتلوا الناحية قبلنا دائماً نصل متأخرين". من خلال مقاربة إنسانية يستقصي أبو حمد الحدود المنسية للمقص والمهمش والمتروك، وينسج بجماليات حرفية، تبدو بسيطة، لوحات خاصة وفريدة لا يمكن توفرها إلا لهذا التمازج المبدع بين الابداعين التشكيلي واللغوي.
نبذة الناشر:
بعد أن عانى العم رضوان "العطيلي" الفقرَ فوق أرصفة بيروت، قرر أن يتخلّى عن مهنة الشحاذة، ويعود إلى بلده فلسطين، برغم الاحتلال، على أمل أن يستعيد المالَ الذي كان ائتمنه لدى صديقه اليهودي، حاييم، فيؤمّن لنفسه ولابنته مستقبلاً هانئاً...
"العطيلي" حكاية اللاجئ الفلسطيني، المقدَّر له أن يعيش ثنائية الوطن والمنفى، وأن يبقى القلقُ والأمل خبزه اليومي.