مدن داخلية
في عالم العمران والعمارة، يُستخدم مصطلح "الفلانور" لوصف من يقومون بعبور الساحات والفضاءات الحضَريّة بوعي نوعيّ وتحليل معماريّ، مستشعرين مرورهم بالتجارب السيكولوجية والظاهراتية المتأثرة بالتصميم الهندسي للأمكنة. سرَدَ المعماريّ العراقي المعاصر رفعة الجادرجي، في كتبه ومقالاته العديدة، كثيرًا من رحلاته التي "كان يسير فيها على غير هُدى" بالسيارة أو راجلًا، متأمّلًا واجهات المباني في بغداد والمدن العربية والغربية التي زارها وعاش فيها. من المؤكّد أنه كان ليستخدم مسمّى "الفلانور" لو كان في نطاقه المعرفي، لكنه أدركه بحدسه واستعمله كأداة للتأطير والتحليل والتنظير. منذ تعرّفي على هذا المصطلح في صفّ العمارة المعاصرة وأنا على الرّأي الصّوفي: "من ذاق عرف، ومن عرف اغترف". أحبّ فعل التسكّع ذاك، أي قضاء الوقت بلا هدف محدّد تجوّلًا في الشوارع والأماكن العامة، متيقظة بدهشة لما قد يصادفني من ظواهر المدينة، إذ أُعدّ التسكّع امتدادًا لتخصّصي وتطبيقًا عمليًّا له. وبما أنني "فلانوز" تسكّعَت طوال السنوات الماضية في المنامة وباريس ومينيابوليس، دون دراية بالمصطلح وتاريخه وانتمائه كذلك، فإنّه يمكنني القول بأن ذاك الحدس -مثل حدس الجادرجي- شيءٌ باعثٌ على السرور.
لا يوجد مراجعات