قضية فاغنر
هذا العمل هو مغاير في طبيعته لبقية أعمال نيتشه حيث يتعرض بشكل شخصي لريتشارد فاغنر - الموسيقي الألماني الملحن و مؤلف الأوبيرات ، لقد مرت علاقة نيتشه بفاغنر بمرحلتين متناقضتين : الأولى حيث كان نيتشه أحد المتيمين بفاغنر ، المعجبين به و المتأثرين به كحال بقية الشباب الألمان. و يعود سر التأثر هذا لنوعية الموسيقى التي كان يستخدمها و يوظفها فاغنر و أدبياته المسرحية التي كانت تعكس مفاهيم الترانسدتالية ( الصدق، الاخلاص، العظمة، اللا أنا و غيرها) و كان فاغنر متمكناً من ايصال هذه المفاهيم عبر موسيقاه بشكل مؤثر جداً.
التغير في علاقة نيتشه بفاغنر بعد سنوات طويلة من التبعية ، يعزوه نيتشه لتغير مفاهيمه الفلسفية فهو الان ضد الترانسدتالي و ضد المتعالي الذي بشر بأفوله و بشر بالعودة للواقع ، حيث حارب كما يقول - طرح الفلاسفة للمفاهيم المتعالية التي لا يوجد لها مصاديق في الواقع.
نيتشه إن صح أن نسميه فيلسوف العودة للواقع يقدم نفسه كضد لكل ما ينسب نفسه للمثل الأفلاطونية - و هكذا لم يكن يجد في فلسفة هيغل فقط تجسيداً للبحث عن مثل خيالية ، بل كذلك في موسيقى فاغنر فانبرى يصب جام غضبه على الاثنتين الفلسفة و الموسيقى.
حلل موسيقى فاغنر و تركيبتها و درس أثرها المباشر على الفيزيولوجيا الانسانية و المزاج و الاعصاب ، هكذا يوصل لنا مفهوم الموسيقى ، فيقول "ما الذي أحتاجه أنا من الموسيقى سوى أن تجعلني خفيفاً قادراً على التحليق ، لا كموسيقى فاغنر التي تثقلني بالهموم ".
رفض نيتشه المتعالي فلسفةً فرفض معه المتعالي نغماً و موسيقىً كذلك و ربط بينهما فقال أنه لا وجود للجميل في حد ذاته، في إشارة منه لنقد فلسفة هيغل الاستطيقية ( فلسفة الجمال). و قدم لنا رؤية بديلة عن الموسيقى الفاغنرية و هي الالحان الزرادشتية التي ختم بها كتابه ببعض الأبيات الشعرية كعادته الأدبية المتميزة يقول :
فقيراً عليك أن تصبح ،
أيها الأحمق الحكيم،
إن كنت تريد أن تكون محبوباً
فلا يحب الناس غير المتألمين
و لا يمنح الناس محبةً إلا للمعوز الجائع:
لتغدق على نفسك أولا، أي زرادشت.
لا يوجد مراجعات