إهانة غير ضرورية
بالنسبة إليَّ، لم أكن في حاجة إلى الكثير من الوقت حتى أستيقظ من خيالات طفولتي، وأجدني، وبمحض الصدفة، مخصــيًّا ومحشورًا داخل نسيج غليظ من الخيش تحمله أمي. كنتُ في التاسعة من عمري لما حملتني أمي على ظهرها المحدودب، بعيدًا عن كل الأحلام التي أعرفها، وسارت بي صوب السكَّة المسافرة شرق (الحبشة).
لم تشأ أمّي وقت ذاك أن تجعلني أصعد على ظهرها وأطوّق رقبتها بكلتا يديَّ مثلما يفعل الصِبية عادةً في لحظة طيش، إذ إنّ من شأن الأقدام المنفرجة، وكما أوضحتْ لي حينها، أن تزيد من تفتق جروحي؛ لذلك أرغمتني على التكوم داخل الخيشة ثم شدّتني إلى ظهرها كما يشدّ رجال القرية أكياس الشعير، وسلكت بي طريقًا ترابية غير مألوفة، يسبقها فيه فوجٌ من الرجال المسنين والنساء والأطفال.
***
يتناول (إياد عبدالرحمن) في هذا العمل، موضوعاً لم تتطرّق إليه الرواية العربية من قبل، أو زاويةَ مُعالجةٍ مختلفةً على أقل تقديرٍ لموضوع التضحية بالذّكورة لأسبابٍ دينيةٍ. يحكي العمل قصّة طفلٍ حبشيٍّ يُرغم على ترك قريته وفُقدان ذُكورته رغبةً من والدته بالتبرّك والتقرّب إلى الله بانضمامه إلى (الأغوات) في المدينة المنوّرة ومكة المكرّمة، وهم جماعة تُكرّس نفسها لخدمة المشاعر المقدّسة، شريطةَ أن يكون أفرادها مخصيّين. أُوقفَ العمل بهذا النظام أواخر سبعينيات القرن الماضي بفتوىً دينيةٍ أنهتْ ألف عامٍ من هذه الممارسات.
زينة علي
17-يوليو-2024 01:07
من مهام الأدب الناجح التي لا تنفصل عنه: أن يستفزك، أن يزلزل شيئًا ما في داخلك، أن يدفعك -على الأقل- للتحرك في اتجاهٍ ما، أن يحثك على البحث والتساؤل. وهذا ما فعتله هذه الرواية. ومن هنا تحديدًا يجيء ردي على أصدقائي القراء الذين انتقدوا عدم إيفائها لكامل تاريخ الفئة المتناولة فيها، فليس هدف الرواية أن تسرد لك تاريخًا مفصلًا، أو أن تجيب على كل أسئلتك. بل هي تهدف إلى استفزاز قدرتك على التساؤل، ودفعك إلى التحري والبحث بنفسك.
.... اقرأ المزيدتتناول هذه الرواية قصة حياة واحدٍ من جماعة "الأغوات" وهم فئة من الرجال مس
إعجاب (0)
تعليق