العصفور الاول
رواية غنية بأفكارها الفلسفية وتساؤلاتها الوجودية، متميزة بطريقة عرضها وحبكتها وأسلوبها، غزيرة التساؤلات حول أوضاع البشرية، وذكية التعليقات على المواضيع التي من المفترض أن تشكّل الإنسان، وأن تشغله وأن تعنيه.
شكّلت شخصية الكاتب"مقرن النوري"، بطل الرواية، شخصية "مالك" ليجاريه في سيناريو "فلسفة" القتل التي يكرر الحديث عنها، ماذا لو أن مالك قرر تنفيذها "فيلما واقعياً" وعكس الأدوار؟ سيرتعب الكاتب وسيقول له: "مالك، إنها مجرد فلسفة"، وسيجيبه مالك: "نعم، إنها مجرد فلسفة، وسأريك الرعب الحقيقي لفلسفتك هذه، ومن ثم أؤدي وظيفتك بإنارة العالم، وبكتابة كتابك المرعب والحقيقي عن فلسفة الموت والحياة، وكل هذا سيحدث بعد أن أدفنك".
هل يتحمل بطل هذه الرواية للمؤلفة القادمة من سلطنة عمان، تبعات وأثمان حلمه في أن يكون كاتباً حقيقياً، يود أن يجوب أقطار العالم ليخبر عن اكتشافاته ومشاهداته في أقاصي الأرض ويصدق في التعبير عن خلاصة تجاربه الواقعية والميدانية العديدة في غمار حقائق الحياة؟
تتخذ شخصية الكاتب لتحقيق هذا الهدف، قراراً بالقيام برحلتين متلازمتين، الأولى باتجاه أعماق ذاته، والأخرى باتجاه الهند. وعن طريق محادثة الذات ومحادثة مالك شخصيته المختلقة والذي يقول عنه "هو البطل المخترع وأنا البطل الحقيقي وهو وسيلتي إلى النهاية"، والطبيب "كمال"، ومن خلال التجارب التي سيمر بها في الهند مع الناس، ومن خلال علاقة الحب التي ستربطه بالدليلة السياحية "أنيتا"، يكتشف القارئ أبعاداً كثيرة وتساؤلات حول مفهوم الكتابة خاصة حين تنقل أوضاع الآخرين، أهي استغلال لحياتهم، أم أنها تخليد لهم؟ وهل هي تجربة ذاتية صعبة قد تؤدي بصاحبها إلى الكآبة والمرض "؟..هكذا تمر حياتي بين غرق وإفاقة في مستشفى جديد.."، أم على العكس من ذلك وكما قال له الطبيب: "أكتب وستكون بخير"، فالعصافير يجب أن تنفلت من قفصها، وهذا الانفلات يرمز إلى الحرية وإلى الأمل؟ أو لعلها قدرية وحسب: "داهمتني الكتابة فجأة وأنا في أوج اختناقي من نفسي، رغبة عميقة سكنتني لاستئصال الفيض الذي كان يُغرق كياني ويشلني".
تطرح الراوية كل التساؤلات حول الكتابة، وحول الحالات النفسية والفكرية التي يمكن أن تصيب الكاتب في أي بقعة من بقاع العالم، لذا لا مكان فعلي محدّد للرواية ولا زمان، هي بحث مباشر في الجوهر، خارج المظاهر والأشكال، في أعماق الذات البشرية، وفي جوهر الكتابة والحب والمرأة وهي: "الفجر والمغيب، الرزق والمحبة، البغض والتعاسة، كما أنها نهاية الأشياء وبدايتها الجميلة"، والقتل والجوع والموت، والإيمان: " لكن محاربة الحقيقة المؤلمة تحتاج إلى سلاح قوي، أنت تملك الإيمان والأمل، أنت في قلب القوة، لا تتحدى ولا تجابه، فقط إبدأ".
لا يوجد مراجعات