الإله والمعنى في زمن الحداثة
إن كان هناك من معنى يلخّص هذا الكتاب فهو تحرير الحداثة من سردياتها الكبرى التي أسرتها لعقود طويلة، لصالح قراءة أقل وثوقية وأكثر تحررًا وانفتاحًا، بما يتيح فتح أبواب الاجتهاد في الحداثة وتحرير بواعث العزم وممكنات العمل خارج إطار الخطاب المهيمن. كثيرًا ما تقدم الحداثة نفسها بأنها مسار حتمي ومظفر يقوم على محطات من القطيعة سواء على مستوى الوعي الفردي والجمعي أم على مستوى الاجتماع السياسي؛ إنها قطيعة مع الماضي المظلم لصالح الحاضر المشرق، وانتقال من الإنسان المندمج في الأشياء إلى الذات الفاعلة والواعية بمحيطها، ومن الإنسان المذعور والمستلب إلى صالح الإنسان العاقل والراشد. هذا الكتاب لا يتردد في إبراز الطاقة التحريرية المختزنة في الحداثة، من خلال ما أدخلته على حياة الأفراد ونسيج المجتمعات من مكسب الترشيد العقلاني، كما إنه لا يغمط الحداثة حقها فيما أنجزته من تحولات مهمة طالت نظام الوجود وشروط الإنسان الحديث، ولكنه في الوقت نفسه لا يغمض العينين عما خلفته الحداثة من آثار مدمرة؛ إذ تظل الحداثة في نهاية المطاف ظاهرة تاريخية مركبة فيها من ممكنات التحرير بقدر ما فيها من مظاهر التكبيل، وفيها من النزوع المركزي بقدر ما فيها من التطلع الكوني المنفتح.
لا يوجد مراجعات