ابن عربي: سيرته وفكره
منذ أكثر من عشرين سنة، وبالتحديد عام 1989، وكنت وقتها أقيم بشكل متقطّع في مدينة باريس، أهدتني صديقتي كلود عداس كتابها حول سيرة محيي الدين بن عربي وفكره.
أخذت الكتاب بقوة وفي رأسي تتزاحم الأفكار الكاشفة عن القيمة العلمية الكبرى لهذا الكتاب في المجال التخصصي الصوفي، بل والإنساني. فالكاتبة سليلة عائلة شغوفة بالشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي وعارفة به، وهي شخصياً نشأت مطبوعةً بهذا الحب ومنفتحةً على هذه المعرفة. وحين أوصلها اجتهادها إلى مرحلة الدراسات العُليا اختارت الشيخ الأكبر موضوعاً لأطروحة الدكتوراه، فكان هذا الكتاب الذي أسهمت من خلاله بتقدّم الدراسات الأكبرية. كيف لا، وهو نِتاج باحثة تتميّز بالصرامة العلمية المشبوكة بالدِّقة والأناة والجَلَد والصبر، قرأتْ معظم نِتاج الشيخ الأكبر الضخم الذي توفر لها ما بين مطبوع ومخطوط، ثم عمدتْ إلى إعادة بناء سيرته في إطارها البشري والفكري، من خلال نصوصه نفسها".
يسرد هذا الكتاب سيرة شخص نهض بوجوده من حيِّز الزمان والمكان، مع حمله لشروطهما، إلى الأفق الإنساني الواسع.. فصار صاحب هوية إنسانية: واحدة بذاتها، متكثّرة بوجوهها وتوجهاتها وبالرقائق الممتدة منها إلى كل شيء وكل أحد. وبالتالي، صار قادراً على التواصل الشامل مع محيطه البشري والطبيعي.
... سيرة إنسان هو واحد من كوكبة أصحاب الإرادات الفاعلة والطيبة، التي تجمع ولا تُفرِّق، تُعمّر ولا تهدم، تبني الجسور بين الأفراد والجماعات من لَبِنَات المعرفة، ليعبروا عليها فوق أودية الجهل والخوف والتعصب والظلامية، نحو التآلف والتراحم والأمن الاجتماعي والسلام العالمي.
... سيرة شخص أدرك أن حياة الإنسان، في النجاح والفشل وفي الرفع والخفض، محكومةٌ للسُّنن الإلهية الثابتة. وأن بإمكان الإنسان أن يجعل حياته على هيئة مسيرة صعود لا نهاية لحدوده ولا انتكاس لخُطاه، إنْ هو راعى السُّنَّة الإلهية في استقبال النِّعم والمواهب الربانية.. وبالفعل، فقد دوّن ابن عربي اسمه بأحرف من نور في سماء جبل قاف الذي يحيط بعالم الإنسانية، بحسن استقبال كل منحة ربانية؛ بالحفظ والتنمية.
لا يوجد مراجعات