عبيل
إذا كان بإمكاننا أن نتحدث عن فن للعنونة مقابل فن للكتابة فإن عنوان رواية «عبيل» للكاتب السوري نذير الزعبي يندرج في عينة العناوين الصادمة عند تلقيها لأول وهلة، وذلك لفرادته وتميزه. سواء على مستوى تفسير الملفوظ اللغوي والقولي «عُبل وتعني ضخم» أم على مستوى صلة العنوان بالشخصية الروائية، وارتباطه بالحكاية. فعلى هذه الكيفية؛ فإن نذير الزعبي ينثر، عبر مختلف أجزاء نصه، صوراً مطابقة للشخصية الرئيسية في الرواية، ويبعثرها بين الشخصيات الأخرى التي تدور في فلكها الحكاية؛ حيث نقع على شخصية رجل مصاب بداء "العملقة النخامية" وقد مُنح جسداً ضخماً وطولاً فارعاً، ووجهاً دميماً، جعلهُ يخشى عيون الناس، حتى صار مادةً للتندر والسخرية، ولكن في نفس الوقت فإن هيئته الغريبة هذه سوف تجعل منه مادةً لسبق صحفي أولاً، وعنواناً لمشروع رواية ثانياً، ولوحة فنية ثالثاً، وبطلاً لفيلم سينمائي عالمي يتحدث عن العماليق رابعاً، ما جعل الصحفيين ومعدّي البرامج التلفزيونية يتهافتون عليه لإجراء حوارات معهُ، إلّا أن كل هذا لم يمنع عنه ذلك الشعور الموجع أنه لن يكون في يوم من الأيام مثل بقية البشر.
ما يميز هذه الرواية انغراس المضمون الألمي في بنية الوصف الفيزيولوجي الصادم، والحضور الكبير لمفردات الألم الروحي، وصور الذات الموجوعة المخترقة بالمشاعر الملتبسة، والقدرة الفائقة على إنتاج صور سينمائية تحدد ملامح الشخصيات وحركتها، وتجسد انفعالاتها، وذلك باستدراج تقنيات السيناريو السينمائي إلى النص الروائي، بمكوناته المادية، والفنية، هذا بالإضافة إلى استدراج اللوحة الفنية، وجعلها تقنية سردية يُمكن الاتكاء عليها خلال عرض الحكاية، ثم شعرنة السرد، وتنويع الشخصيات، والتلاحم الوطيد بين عناصر القصة الأساسية، بتتابعها وتوازنها، ونزوعها الملحوظ إلى العوالم الكافكاوية، وكذا بآفاق انتظارها، ومفاجآتها التي تُباغت المتلقي اللاهث للوصول إلى النهاية.
من أجواء الرواية نقرأ:
"إلى ملاكي الطينيّ مَثَلُ حياة المرء قبل الحب، كمثل من ألفى نفسه حبيس لوحةٍ عُلِّقت بين ملايين اللوحات على جدار هائل اسمه الدنيا. فيظن ألا شيء في دنياه قادر على أن يبدل لوحته بأخرى سوى الممات. ويظل معتنقاً لهذا الظن اعتناقَ القلب لليقين، إلى أن يذوق طعم الحب.. فإذا بتلك اللوحة الأبدية قد تبدلت بلوحةٍ أخرى بطرفة عين، وإذا به هو نفسه قد غدا غير الذي كانه...".