الدين والدولة وتطبيق الشريعة
يرى الباحث بأن موضوع "الدين والدولة" و"تطبيق الشريعة" من الموضوعات التي تتأثر بالسياسة وتخضع لحاجاتها ومنطقها، وأن معظم المرجعيات التي يستند إليها الباحثون المعاصرون كانت موجهة بكيفية أو بأخرى بالظروف السياسية التي زامنتها، وإذا كان الباحث المعاصر نفسه ذا ميول سياسية يريد تكريسها، فإن الحقيقة ستتيه وتضيع من دون شك بين معارج سياسة الماضي ومتاهات سياسة الحاضر.
لذا فإن الباحث يؤكد على ضرورة بناء مرجعية تكون أسبق وأكثر مصداقية من المرجعيات المذهبية، التي قامت أصلاً كوجهة نظر تردم تأييد موقف سياسي مفيد. والمرجعية الأصل التي أرتآها المؤلف تلك السابقة على جميع المرجعيات، في التجربة التاريخية العربية الإسلامية، والتي جولها مدار بحثه في كتابه هذا، هي عمل الصحابة على عهد الخلفاء الراشدين، ذلك لأنهم مثلوا المرجعية الأساسية في مجال العلاقة بين الدين والدولة ومسألة تطبيق الشريعة من خلال أعمالهم ومن منطلق تجاوز القيود المنهجية التي قدمت بها المعرفة الدينية في الماضي، يعود الباحث مباشرة إلى "عمل الصحابة" وذلك بهدف معالجة مشاغل عصرنا ومشاكله في أمور الدولة والدين وتطبيق الشريعة.
والباحث من خلال ذلك يحاول الاجتهاد في هذه المسألة، وذلك بعد وضع الاجتهادات السابقة والمذاهب الماضية بين قوسين، لأن موضوع "الدين والدولة" وتطبيق الشريعة الذي يعالجه هو موضوع ذو طبيعة دينية من جهة أولى، والدين لا بد فيه من الرجوع إلى "الأصل"، ومن جهة أخرى، أن "عمل الصحابة" في المجال الذي يتحدث عنه الباحث كان مطبوعاً بالنسبية والنظرة التارخية، مما يجعل عملهم ذاك مفتوحاً ملهماً يفتح الباب للتجديد والاجتهاد كما سيتضح من الأمثلة التي يوردها المؤلف ضمن هذا البحث الذي احتل قسمي هذا الكتاب.