هتان عشق الطفولة وطفولة العشق
مبارك الشعلان
أجمل من أن نعرِّفه!
فهو يشكل حالة إعلامية إستثنائية متفردة.
هو من أولئك القلة الذين آمنوا بقلوبهم، فكتبوا الحياة ابتداءً بالصحافة، ثم الشعر، فالمقال، فالكتابة، فالكتب، فالإعلام إعدادًا وتقديمًا، برؤية خلاقة.
فتعلم، حتى علم أنه من تلك الفرقة الناجية من الفراغ والتسويف، وقليل ما هم!
حين آمن بنفسه التواقة للخروج من جسدها، فتتفلّت على أشكال وهيئات مختلفة. ليشكل حالة استثنائية متفردة .
استاذ المنطق الرياضي والمحاضر في جامعة السوربون، إحدى أعرق وأهم الجامعات في العالم، الدكتور عادل فاخوري، كنا نلتقيه أنا ومجموعة من الأصدقاء آخر الثمانينيات. وهو الذي يصف أدونيس بالتقليدي، كان يقدم قصيدته المرسومة، شكلاً جديدًا وغريبًا في التعبير الشعري. في ذلك الوقت، كنت أعرف مبارك الشعلان الذي ينشر رسومات أحلامه بأقلامه، ويلونها بسخرية عالية المقام، كتابات نافرة عن واقعها، لا مستنفرة منه! ففعل أكثر من شيء واحد في وقت واحد، محاولاً ليس الموازنة بين تعارضات الدهر في روحه، بل إخراجها بهارمونية متناغمة.
لا أدري كيف استطاع الاحتفاظ بروحه كل ذلك الوقت، لولا أني أعرفه: «يقسم جسمه في جسوم كثيرةِ».
بعد أن تبسم قلبه في صحبة غرشة عطر نايف المخيمر، فنبتت زهرته حين رأى وسمية وسنابل الطفولة تجتمع في فايق عبد الجليل. وإن كان صوت العطش لم يحرم سنبلة واحدة أو شعرة من وسميات يختبئن في روح مبارك، إذ تهيات أغصانه لتكون قرية العصافير والغمام. حين أسند ظهر روحه على شفة الشعر التي نطقت «لعيونك أقول»، فتلمس «صحاري الشوق» الواسعة في قلب مسفر الدوسري، فامتد بها إلى اللا حد واللا أحد سواه، سينجو من هذا المثلث العظيم المربك، وكأنه في قلب برمودا. فاختار طريقته وطريقه من خلاله، فانفلق له بحره، وفاض نهره. هو المتصالح إلى حدود قصوى، ومنذ عمرٍ لا أذكره، وفاقٍ معي، هو اتفاقي معنا..! تأخذني الحاجة لإعادة الصوت والمعنى فيما قاله بيكاسو بعد أن سأله الضباط الألمان عن جداريته «الغرنيكا» التي كانت فعلاً يشبه الصرخة المستمرة بالاستنكار والغضب ضد الدمار والقتل، وضد النازية الألمانية - تحديدًا - التي قصفت مدينته الوادعة «غرنيكا». فقالوا له بإعجاب شديد: «أنت من صنع ذلك؟» يعنون الجدارية وبما تحويه من دمار، فقال لهم: «بل أنتم!» وصديقي مبارك الشعلان كذلك!
ولأن البصيرة هي الرؤية الواضحة للحياة عنده، فقد كان يذهب حيث يسنُّ رمح يقينه، حين كانت الكثرة تردد: «إنَّا هاهنا قاعدون» !فالأدب - كما أخبر «ماريو فارغاس يوسا» - لا يقول شيئًا لمن هم راضون بما لديهم، لمن يرون الحياة بما يعيشونها الآن. الأدب هو قوت الروح المتمردة، إعلان عدم الانقياد، ملجأ لمن لديهم القليل جدًا أو الكثير جدًا في الحياة.
وأقول لهذا الكاتب الكبير جدًا، والمهم جدًا، والمختلف جدًا، والصديق جدًا:
إنك أجمل من أن نعرّفك !
الشاعر والأديب الكبير فهد دوحان

















الرئيسية
فلتر
لا يوجد مراجعات